محمد معيض القحطاني

أم السعف والليف

السبت - 13 يوليو 2019

Sat - 13 Jul 2019

انحش انحش انحش.. نصيحة أحد المهندسين المخضرمين في القطاع الحكومي أوجز فيها وأبلغ عندما أخبرته بتعييني مهندسا صناعيا على المرتبة السادسة في إحدى الوزارات مطلع عام 2010، وقد كنت أظنه سيبارك وسيهنئ، ولكنه فاجأني بنصيحته التي لم يتردد في تكرارها بالثلاث، كما ختم حديثه بالمقولة الشهيرة «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب».

ذلك المهندس المخضرم ومعه خلق كثير من المهندسين أفنوا شبابهم وهم يعملون في القطاع الحكومي، متأملين يوما بعد يوم بأن الكادر الهندسي سيقر قريبا وسيتقاضون المرتبات الشهرية التي تتوازى مع تحصيلهم العلمي وتميزهم العملي، كما هو الحال في القطاع الخاص والشركات الكبرى حيث يعمل زملاؤهم وأقرانهم ويتمتعون برواتب شهرية مجزية وحوافز مالية متنوعة.

المهندسون يشكلون العمود الفقري والعصب الرئيس لمؤسسات الدولة ووزاراتها وعلى رأسها مجلس الوزراء الذي يتكون من 32 عضوا، بينهم ستة أعضاء يحملون شهادة البكالوريس في العلوم الهندسية، ناهيك عن محافظي الهيئات ونواب الوزراء وأصحاب السعادة ووكلاء الوزارات ومديري العموم ومديري المشاريع الوطنية، ابتداء من مشاريع الحرمين الشرفين والمستشفيات والجامعات والطرق وانتهاء بأبسط المشاريع وأصغرها.

ترعرعنا جميعا ونحن نسمع بأم السعف والليف والسعلوة ومثيلاتهن من الشخصيات الأسطورية والخرافية التي لطالما استخدمت من قبل أسرنا لإخافتنا ومنعنا من الخروج خارج المنزل. وتعاقبت الأجيال جيلا بعد جيل ولم تر تلك الشخصيات وبقيت شيئا من الخيال. الكادر الهندسي ليس ببعيد عن تلك الشخصيات الأسطورية، حيث يسمع عنه المهندسون منذ أكثر من ثلاثة عقود ولم يشاهد أو يقر حتى لحظة تكرمك بقراءة مقالي هذا.

هل من المعقول أن وزارة الخدمة المدنية والجهات الحكومية كانت تلوح بين وقت وآخر بذلك الكادر المفقود عبر التصاريح والتغريدات للتحكم بالمهندسين العاملين في القطاع الحكومي للحد من تسربهم للقطاع الخاص، كما كان يتحكم الأهالي بالأطفال عبر أم السعف والليف والسعلوة سابقا، وعبر شرطة الأطفال في وقتنا الحالي؟!

هل من المعقول أن الشركات الكبرى تقف حجر عثرة في طريق الكادر الهندسي لتخوفها من تسرب مهندسيها إلى القطاع الحكومي في حال إقراره، مما قد يضطرها لزيادة مرتباتهم الشهرية ومزاياهم المالية؟

الهيئة السعودية للمهندسين انشغلت بالمهم عن الأهم ولم تستطع الوصول إلى قلوب المهندسين وعقولهم، فضلا عن إبراز جهودهم والمطالبة بحقوقهم، والأمل بعد الله جل في علاه فيما تحمله رؤية 2030 من برامج تطويرية ومبادرات نوعية قضي فيها على الفساد وتحققت من خلالها كثير من المستحيلات.

صدقوني بعد تطور الأحوال المدنية لم أعد أرى شيئا مستحيلا على وجه البسيطة. سأتحدث عنهم في مقالي القادم.

الأكثر قراءة