عبدالله العولقي

تركيا.. إلى أين؟!

الأربعاء - 10 يوليو 2019

Wed - 10 Jul 2019

يبدو أن الشعب التركي اليوم يعاني وهو يدفع ضريبة باهظة عن التهور السياسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فالعبثية السياسية والقمعية التي ينتهجها السيد إردوغان، جعلت البلاد التركية تعيش أجواء عاصفة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ولعل الاحتجاجات المتفاقمة في الشوارع التركية تعبر صراحة عن مشاعر السخط بين الجماهير التي سئمت من الفجوة العميقة التي صنعها الحزب الحاكم بينه وبين الشعب التركي.

لا شك أن إحياء فكرة الخلافة العثمانية عبر منهجية التدخلات السياسية والعسكرية التي يقترفها الحزب الحاكم في الجغرافيا العربية قد أوردت تركيا مهالك اليوم، تماما مثلما هو حال نظيرتها إيران، فإشكالية الحزب الحاكم في تركيا تتقارب فكريا ومنهجيا مع عمائم الملالي في فكرة احتلال الجغرافيا العربية، واستزراع الأحزاب السياسية التابعة لأجندتها ومخططاتها الاستعمارية.

ولأن أنقرة قد اعتمدت كثيرا على تجنيد الأحزاب الإخوانية كقوة ناعمة لها في تنفيذ سياستها الاستعمارية فإنها قد فشلت تماما في إقناع الشعوب العربية بمشاريعها التوسعية، ولا سيما أن الذاكرة العربية لا تزال تعج بمآسي ومخازي الاحتلال التركي للأجداد والأسلاف، فالعرب يدركون جيدا أن الاحتلال التركي يعبر عن جزء أساسي من تكوين الواقع المأزوم للأمة العربية، كما أن الأحزاب الإخوانية التي تقتات على الدعم التركي بيننا تعيش واقع النبوذ في مجتمعاتها، ولا تحظى أبدا بالقاعدة أو الحاضنة الشعبية الواسعة.

تعد السياحة في تركيا من أهم وأقوى موارد خزينة الدولة، وقد شهدت مدنها السياحية إقبالا متميزا خلال العقود السابقة، ولكن السياسة المتطرفة اليوم لدى حزب العدالة والتنمية أفقدتها كثيرا من قيمتها الاقتصادية، فتفاقم العصابات المنظمة وحوادث السرقات والنشل جعل السياح العرب والأجانب يحولون وجهتهم عن المزارات التركية إلى دول تنعم بالاستقرار الأمني، كأذربيجان وطاجكستان والبوسنة، والتي شرعت برامجها الاقتصادية تنجح ببراعة وذكاء في جذب السياح إلى طبيعتها الساحرة التي تتفوق على تركيا بجاذبيتها البكر وبالأسعار الرخيصة والجودة الترفيهية، إضافة إلى تعزيزها مفهوم الأمن والاستقرار.

يبدو أن الشعب التركي قد تقطعت حبائل صبره من سياسات وعبثية حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولعل هزيمته المدوية في أكبر المدن التركية إسطنبول خير برهان، وإذا افترضنا أن إسطنبول مفتاح الحكم في الانتخابات التركية كما يؤكد أرباب السياسة ومحللوها، فإن المنطقة ستشهد تغييرا جذريا بقدوم الحزب الحاكم الجديد، والذي سينتهج حتما سياسة الانكفاء في الداخل وإصلاح وترميم الخراب الاقتصادي الذي أودى بالعملة التركية إلى حالتها المتردية اليوم، وبالتالي سترفع أنقرة دعمها وتأييدها عن الأحزاب المتأسلمة والمتطرفة في المنطقة العربية، وبهذا ستقل وربما ستنعدم أحداث العنف وفوضى الاضطراب في المنطقة، وستبدأ وقائع الحالة العربية بالعودة إلى استقرار وثبات ما قبل أحداث الربيع العربي.

أما إذا أصر الإردوغانيون على حكم أنقرة بالقوة والاستبداد، وتلاعبوا بنتائج الانتخابات، فإن تركيا حتما ستتجه إلى المجهول وستخسر كثيرا من ثقلها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، وربما سيكون للشعب التركي كلمته، وقد نشهد حينها ربيعا تركيا مثيرا!

@albakry1814