عبدالله المزهر

ضبان المحيط..!

الاثنين - 08 يوليو 2019

Mon - 08 Jul 2019

قرأت وشاهدت تقارير تلفزيونية عن مزارع أسماك في وسط السعودية، ولا أخفيكم أني حاولت فهم سبب وجودها وعجزت.

هي مشاريع ناجحة من الناحية التجارية مثلها مثل شركات الألبان. وأنا ـ كما تعلمون ـ أحب الأموال حبا جما ولا ألوم أي باحث عن الربح، لأن هذه هي طريقة الحياة ومعيار النجاح الوحيد المعتمد في العالم المعصر.

أنت فاشل ما لم يكن ما تؤمن به وتحبه وتمارسه أمرا يجني الأموال. بقية الحياة خارج هذا النطاق تفاصيل صغيرة لا تغير في معادلة النجاح شيئا.

لذلك فإني لا أستغرب وجودها من هذا الجانب المادي الربحي المحض، لكن منبع استغرابي أنه وعلى حد علمي فإن الأسماك مخلوقات تعيش في الماء ـ إن لم يكن السمك قد غير عاداته وبيئته وأصبح أكثر انفتاحا على البيئات الأخرى - وأعلم أيضا أن السعودية تعتمد في الحصول على المياه على التحلية والمياه الجوفية، وأن جزيرة العرب لم تصبح مروجا وأنهارا بعد.

وقد يكون حب الطعام البحري أمرا مبررا ومنطقيا ويمكن التغاضي عن مسألة استنزاف المياه الجوفية وهدرها لو كانت السعودية دولة معزولة في وسط الصحراء. لكن الأمر يبدو غريبا وغير مفهوم ولا مبرر ـ بالنسبة لي على الأقل ـ حين يتم استزراع الأسماك على حساب المورد المائي الشحيح أصلا، في الوقت الذي يوجد فيه سواحل بحرية بطول 2640 كلم.

قد يكون في الموضوع تفاصيل لا أعرفها، وربما كانت الأسماك الموجودة في وسط السعودية أسماكا برية أو ربما كانت السمكة التي تنشأ وتترعرع في الصحاري تشترك مع الضب في بعض الصفات، وتصبر على الظمأ ويمكنها العيش بعيدا عن المياه أطول فترة ممكنة.

والحقيقة أن الأمر قد يكون مقبولا لو أن عدد هذه المزارع محدود أو لو لم تكن للإنتاج التجاري، لكني فهمت من التقارير التي شاهدتها أن عددها كبير جدا، وإنتاجها ضخم جدا لدرجة أنها تصدر الأسماك للمدن الساحلية.

الأمر المحزن في كل هذا الغرق وسط الصحراء هو أن هذه التقارير والتصريحات التي سمعتها كانت على سبيل الإشادة بالإنجاز، وأن هذا إعجاز تفخر به الصحراء التي أنتجت السمك. وهذا الاحتفاء محبط أكثر من وجود المزارع نفسها.

وعلى أي حال..

لا مشكلة لدي حتى في استزراع الضبان في أعماق الخليج العربي، كل ما أريده فقط أن تكف وزارة البيئة والمياه والزراعة عن إزعاج الناس برسائل الترشيد، والحديث عن أن الماء ثروة وطنية مهدرة. وأن تكف الشركة الوطنية للمياه عن تبرير ارتفاع أسعار فواتير الماء، فقط عليهم أن يصمتوا ونحن سنتعايش مع أسماك الصحراء وضبان المحيط.

agrni@