من خطب الجمعة

الجمعة - 05 يوليو 2019

Fri - 05 Jul 2019

صلاح أحوال العباد

«لقد كان لرسول الله، صلى الله عليه و سلم، في حجة الوداع مواقف إرشاد للأمة، يبصرها بما فيه خيرها في العاجلة، وما يكون لها به حسن المآب في الآجلة، ورسم لها خطط السير الراشد السديد، الذي تأمن به من العثار، وتسلم به عن التردي في وهدة الحياة الصاخبة الفتانة، بلهوها ولغوها وزينتها، فتمضي على الجادة، وتثبت على الصراط، وتستقيم على الطريق، دون انحراف عن الحق، أو حيدة عن الهدى.

إن من أظهر هذه المواقف النبوية يا عباد الله ذلك الموقف العظيم الذي كان له في خطبته العظيمة يوم عرفة، وفي خطبته صلى الله عليه وسلم يوم النحر، حيث وضع فيهما أصول الدين، وأرسى قواعد العدالة، وقرر حقوق الإنسان، وأبطل النعرات والعصبيات التي تصور حمية الجاهلية الفاسدة المفسدة، التي تفل الروابط وتقطع الوشائج، وتفرق الكلمة وتشق الصف، ويتسع بها الصدع، وأعلن صلوات الله وسلامه عليه إلغاء قضايا في الدماء والمعاملات الاقتصادية كانت مثار الشغب، وباعث قلاقل في الجاهلية، وهدم مذاهبها في إنساء الأشهر الحرم مناهضة منها لشريعة الله، وأوصى بالنساء خيرا، وحث على إعطائهن حقوقهن رفعا لما كانت تصنعه الجاهلية من إهدار لهذه الحقوق، وجحد لها، وتجاف عنها بالجملة، فهما خطبتان ترسمان منهجا إسلاميا واضح المعالم، بين القواعد، ظاهر الأصول.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجته يوم عرفة، في بطن عرنة على ظهر ناقته، وتوجه بالخطاب إلى ذلك الحشد المبارك، الذي حاز شرف الحج معه صلوات الله وسلامه عليه، حين هفت القلوب، ورنت العيون، وأصاخت الأسماع، وتهيأت النفوس وتمهدت للتعلم والاهتداء والاقتداء، فاستهل عليه الصلاة والسلام خطبته الشريفة بقولة مثيرة للأشجان، مهيجة للأحزان، لكنها مع ذلك تسترعي الانتباه، وتستدعي التيقظ والاهتمام، حيث قال «أيها الناس اسمعوا قولي؛ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا»، ثم أخذ صلى الله عليه وسلم في تخطيطه لصلاح أحوال العباد في العاجل والآجل».

أسامة خياط - المسجد الحرام

العبرة من تعاقب الأزمان

«في تعاقب الأزمان معتبر، وفي اختلاف الليل والنهار مدكر، قال تعالى (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)، والمراد بقوله خلفة أي كونا وقدرا بأن أحدهما مخالف للآخر، وكل منهما يخلف الآخر، هذا بعد هذا، يتعاقبان في الضياء والظلام والزيادة والنقصان، كما قال جل وعلا (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة)، وكما قال جل وعلا (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون).

إن خلفة يأتي معنى شرعيا وإنه سبحانه جعل أحدهما خلفا من الآخر في أن ما فات فيه من عمل يعمل فيه لله جل وعلا أدرك قضاءه في الآخر. إن المقصود بآية أن في اختلاف الليل والنهار وفي تغير أوصاف الأزمان عبرة عظيمة كبيرة جليلة تدعو الموفق إلى التفكر في قدرة الله العظيمة ومشيئته التامة وعظمته المتناهية بما يلزم المسلم بالخضوع لله جل وعلا، والتذلل له عز شأنه، وبما يفرض عليه الإنابة الحقة والاستجابة لشرعه القويم لقوله سبحانه (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا).

إن أهل الإيمان من الذين يتذكرون التذكر النافع ما يحدث لهم الخوف الحقيقي من خالقهم جل وعلا وخشية شديدة من عقابه وحذرا جادا من سخطه لقوله تعالى (إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون)، كما أن أهل الإيمان هم الذين ينتفعون بآيات الله الكونية فيتعظون بها ويعتبرون حتى يثمر لهم ذلك إيمانا صادقا وعملا خالصا.

وعلى المسلم اتخاذ اختلاف الأزمان موعظة وذكرى، وأن يكون في أحواله كلها لله شاكرا وبطاعته عاملا ولمعاصيه مجانبا، ومن عبر واختلاف صفات الأزمان ما يجده العباد في فصل الصيف من شدة الحر فيبتغون السبيل إلى الظل والظليل والهواء العليل فيتذكر المسلم بذلك نار جهنم وحرها».

حسين آل الشيخ - المسجد النبوي