علي الحجي

أفكار معفاة من الضريبة

الخميس - 04 يوليو 2019

Thu - 04 Jul 2019

الإنسان كائن اجتماعي مفكر، لا يتوقف عن إعمال عقله في كل إشكال يواجهه، فهو يلاحظ ويتأمل ويحلل ثم يعيد التركيب، ويقوم حتى يصل لنماذج أخرى للموقف تحت عنوان: ماذا لو؟

وهذا هو سر تضاعف التقدم البشري الذي يتسارع بشكل هائل في شتى المجالات يوما بعد يوم، مقدار هذا التسارع يتزايد ويتباطأ وينفجر ويموت تبعا للظروف التي ولد فيها.

فالأفكار مقاتل عنيد لا يخضع للظروف والبناءات المجتمعية المحيطة طالما يرى في الأفق بصيص أمل لخلق مستوى إنساني أفضل وأرقى يمكنه أن يحظى معه بحضور إنساني أفضل على مسرح الحياة، ويرتفع معها إلى هوية أرقى وأسمى، متسلحا بقدراته النقدية والتفكيكية والتفكيرية البناءة.

فالأفكار المهادنة الهادئة دائما ما تسعى للتكيف مع ظروفها المحيطة، وتنخرط في متاهاتها، وتتبنى مواقفها، لأنها لا تملك القدرة على خلق ظروف وعوامل حياة أفضل، بينما الأفكار الحرة الشجاعة تتصادم مع النمطية، وتعبث في تناقضاتها لخلق أرض خصبة أفضل لزراعة أفكارها الخلاقة.

طبيعة الإنسان أنه كائن مفكر متطلع للتحديث والتحسين والإصلاح، وهذا سر التغيير والتقدم الإنساني من العصور البدائية للآن، فكل إنسان في أي مجتمع كان لا بد أن يجد تناقضا بين الوسط الاجتماعي الذي يعيشه بكل ما فيه من مبادئ وقيم وعادات وتقاليد وأنماط معيشة، وبين قناعاته الشخصية، لكنه يتجنب الصدام مع هذه التناقضات، لأن ذلك قد يفقده ذاته وتاريخه وربما هويته، وسيفقده حالة الانسجام والاتزان، وإن كان بالمقابل سيزيل عنه حالة التناقض والقلق والاضطراب والتشظي.

لكن الزمن ومسيرة التطور البشري لا تنتظر، فالتناقضات تتراكم وتتوالد أمام مسيرة التقدم الطبيعي، حتى تصل لمرحلة أن تشكل سدا، بالضبط مثل الجرافة التي تدفع أكوام الرمل أمامها لتصل لمرحلة لا تستطيع معها التقدم، وليس أمامها إلا أن تتخلى عن بعضه أو تتوقف، هذا السد (الثابت) لا يمكن له أن يصمد في وجه سنن الحياة ومتطلباتها وتطلعاتها (المتزايدة والمتجددة) خلفه، ولن يلبث أن ينفجر انفجارا مدمرا لكل الخردة المتجمعة عبر خط الزمن الماضي، والتاريخ الإنساني القديم والحديث مليء بالشواهد والعبر التي استطاعت فيها الأفكار الحرة أن تثبت أنها قادرة على إيجاد الحلول والإبداع فيها.

وإذا كانت الأفكار التابعة لا تحاول تشكيل خياراتها، ولا تملك القدرة على تلوين فضائها، ورضيت أن تعيش حالة التبعية الكاملة للموروث كقدر محتوم، يلبس لباس الهوية مرة، والقداسة مرة، لا يملك الفرد أمامها حرية التغيير ولا التطوير، علاوة على فقده القدرة عليهما، فإن الأفكار الحرة بالمقابل لم تعجز يوما عن التعاطي مع مستجدات الحياة، لأنها معنية بها بشكل مباشر، شغوفة بإنتاج البيئة التي تليق بالإنسان كونه الصانع لها، والمستفيد الأول من تطورها، فتستنهض نزعات النقد والتفكر والتفكير الموضوعي المستقل، وتستدعي فيه رغبة اقتحام المجهول، وروح التحدي، لصناعة البيئة الأفضل التي تليق به وبتطلعاته.

خاتمة: أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكر وإن ضل، لأنه سيعود إلى الحق، ولكني أخشى على الإنسان الذي لا يفكر وإن اهتدى، لأنه سيكون كالقشة في مهب الريح (الغزالي).

aziz33@