مرزوق تنباك

متى ننتمي لوطن بشروط المواطنة؟

الثلاثاء - 02 يوليو 2019

Tue - 02 Jul 2019

لقيت رجلا يتربع على عرش الستين سألني عن اسمي فأخبرته عن اسمي الذي ترونه أمامكم في صدر هذا المقال، وبعد أن أنعم وأكرم كالعادة، سأل: ممن تعود؟ فقلت مواطن صالح إن شاء الله.

قال: كلنا مواطنون.

قلت: الحمد لله هذا اسم جمع صلة القربى بيننا فلماذا تريد أن أذكر لك ما قد يفرقنا ويباعد بيننا من الأنساب؟ لم يرضه هذا الجواب المراوغ، فأردت أن أمازحه ورأيت أن أخفف عنه ما شعر به من تجاهلي لسؤاله، فقلت: كنت أزعم أنني أعود لآدم عليه السلام، ولكن هناك من أنكر علي العودة إليه، وأما ما أنا متأكد منه ولا يستطيع أحد إنكاره علي، فهذا التراب الذي بدأت منه وسأعود إليه.

أظهر عدم الرضا فحاولت إرضاءه بقوله تعالى «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» فأصر على ذكر الحسب والنسب.

والآن سأنقل الحديث الذي دار بيني وبينه، إليكم وأشرككم فيه:

وأقول قبل الانتماء الأبدي لذرات التراب، ما رأيكم لو اقترحت عليكم أن يحتفظ كل منا بنسبه وحسبه لنفسه وأولاده، ويوثق ذلك في شجرة العائلة الكريمة المباركة، ليرجع إليها عند الحاجة كما كان آباؤه وأجداده يفعلون، يوم كان النسب ليس من قضايا الساعة عندهم، بل من خصوصياتهم التي قلما تحدثوا عنها أو أشادوا بها؟ فكل له نسبه وحسبه الذي لا يضار فيه وليس هناك أحد مقطوع من شجرة كما يقول المثل، ولكن كان يشغلهم عن التفاخر بالأنساب أخلاق وآداب وقيم يعرفونها ويرعون قوانينها، مع ما هم فيه من طلب للرزق وكدح من أجل الحياة الكريمة والانشغال بالأهم عما سواه من الأشياء التي لا يرونها أولوية في حياتهم.

ما رأيكم قبل الذهاب المؤكد إلى ذلك المكان الذي سيجمعنا بعد الموت أن ننتمي إلى تراب الوطن الذي نعيش فيه، وننتسب إليه، ونقول لمن يسألنا أين تعودون؟ نعود لوطن واحد يجمعنا بحب ومساواة وعدل، نعيش فيه ونعمل من أجله، ونتعارف فيما بيننا بالانتساب إليه وصلة القربى التي تحتوينا جميعا.

الوطن الذي يوفر لنا أو يجب أن يوفر بالضرورة حقوق الانتساب والأبوة الحانية، بشروط المواطنة التي لا تفضل أحدا على أحد ولا تحابي القوي القادر على الضعيف العاجز، ولا يقدم لبعض أبنائه شيئا لا يقدمه للآخرين، الوطن حين ننتمي إليه ستزول فوارق النسب والحسب، وتذهب نعرات التعالي الواهمة التي يشعر بها بعضنا، ونرددها في مجالسنا الخاصة، ونعلمها لأطفالنا ليذهبوا إلى المدرسة وكل منهم يحمل في رأسه هذا السؤال: لمن تعود؟، الوطن والانتساب إليه لن يلغي انتسابنا لآبائنا وأجدادنا ولن يلغي نسبنا الخاص والعام، ولن يلغي انتسابنا لمدننا، ولا أقاليمنا وقرانا ولا يلغي ما نرى وما نعتقد وما نفكر فيه وما نريده منه ومن غيره.

لكن الوطن سيلغي الفوارق المصطنعة بيننا، وسيلغي العصبيات المفتعلة التي تفرقنا، والشكليات التي تهدد مستقبل الأجيال، الوطن سيضمن لنا حقوقا متساوية، وسيضمن لنا صلة دائمة وعلاقات قائمة على الانتماء لأصلنا الأول التراب الوطن.

ليس لأحد منا خيار أن يولد في قبيلة أو يولد في قرية، وليس لنا خيار أن نكون من منطقة في الأطراف، أو منطقة في الوسط، وليس لنا خيار أن نتبع هذا الرأي أو ذاك، هذه أشياء لا خيار لنا فيها، لأن أجدادنا حسموا أمرها بالنيابة عنا.

الخيار الذي نستطيعه خيار المواطنة، أن نكون مواطنين، نتمدد في هذه المساحة الواسعة، ننتقل في أرجائها ونعيش حيث شئنا فيها، ونعمل حيث يطيب لنا العمل، يجمعنا الانتماء الذي لا تتفاوت فيه الأنساب ولا الأحساب، ولكن تتفاوت فيه الأعمال وكل له حظه من عمله ومن علمه، ومن جهده ويكفيه ذلك، هذا هو النسب الذي يجب أن ينتمي إليه الجميع ويفخروا به.

هل توافقون أن ننتمي للوطن بشروط المواطنة؟ ذلك ما أدعوكم إليه وأرجوه منكم عسى ألا يخيب الرجاء فيكم.