أحمد الهلالي

لماذا نتجاهل ثمانية ملايين طفل سعودي؟

الثلاثاء - 02 يوليو 2019

Tue - 02 Jul 2019

في آخر إحصائية للهيئة العامة للإحصاء لعام 2018 مبنية على المسح الديموغرافي لعام 2016، بلغ عدد الأطفال في السعودية من عمر 0 ـ 14 سنة من الجنسين أكثر من 8 ملايين و200 ألف نسمة سعوديين ومقيمين، مما يعني أن عدد أطفالنا يفوق عدد مواطني بعض دول العالم، وهذه الإحصاءات تضعنا أمام سؤال عميق: ماذا قدمنا لهذه الشريحة الاجتماعية الكبيرة التي تشكل نحو 35% من شعب المملكة؟

جميعنا نعلم أن عقل الطفل يولد بصفحة بيضاء، والداه وأسرته ومعلموه أكثر من يكتبون على تلك الصفحة، يشاركهم المجتمع، وحديثا باتت وسائل الإعلام مشاركا أساسيا، سواء التلفزيون أو الانترنت، فتتشكل شخصيته وهويته بناء على ما يكتب، وكثير من الأمهات لا يملكن الوقت للجلوس مع أطفالهن وتمنعهن واجباتهن ومسؤولياتهن من ذلك، وغالبا ما يبحثن عن قناة تلفزيونية يلهين بها الطفل، وفي هذا خطر كبير أحيانا، قد يصل إلى ما يسميه المتخصصون (التوحد الافتراضي) الناشئ من أجهزة المشاهدة.

وبعيدا عن خطر التوحد الافتراضي، فإن افترضنا وعي الأسرة بهذه المشكلة، وتقنينها لمرات المشاهدة التلفزيونية، فإن العجب يتلبسني حين أبحث عن قنوات الأطفال فلا أجد لقارتنا الشاسعة قناة تخاطب أطفالنا! وكل ما يشاهدونه آت من بلدان عربية صممته غالبا لأطفالها، أو من حضارات أخرى نختلف معهم ثقافيا في جل ما يعرض على تلك القنوات، وحتى إن كان المحتوى مناسبا أخلاقيا للطفل ويتوافق مع ما لدينا، فإن أطفالنا ينشؤون ومعلوماتهم عن بلادهم الشاسعة (مكانا/ وإنسانا/ وثقافة) شبه معدومة.

أما القنوات على موقع يوتيوب فهي قضية أخرى، فمعظم الاجتهادات المبثوثة على الموقع الشهير غالبا لا تخرج عن (الاستهبال)، لأنها بجهود فردية لهواة ليسوا متخصصين، ويعذرون فبعضهم ما يزالون صغارا لا يعون معنى التربية، ولا معنى الرسائل التربوية الضمنية، ووجدوا الساحة شبه فارغة، فأصبح الطفل يتنقل من قناة إلى أخرى عبر محتويات تافهة أو تتناقض مع أسسنا التربوية، وربما تشوه طفولة صغارنا، فلا تعجب إن وجدت طفلك يتحدث لغات أخرى غير العربية التقطها من مشاهداته للقنوات التعليمية على اليوتيوب، أو يتحدث بلهجات عربية غير لهجتنا التقطها من أناشيد أو كرتون مدبلج بلهجة عربية أخرى، أو يغني شيلات حماسية لا يشده فيها إلا الإيقاع، أو يصدر أصواتا ويقوم بسلوكات مستقبحة في ثقافتنا.

أما على مستوى كتاب الطفل فإن النتاج متواضع، وغالب المؤلفات التي تعرض في معارض الكتب أيضا آتية من خارج البلاد، وهذا في نظري يحتاج إلى عناية المسؤولين والتربويين، فالمؤلف السعودي موجود لكنه يحتاج إلى مظلة تدعمه وتسانده، ليستمر في العطاء والإنتاج، وثمة من يتمنى الكتابة للطفل، ويملك الموهبة والرغبة لكنه لا يملك الأدوات، والورش والدورات كفيلة بتوجيهه إلى امتلاك الأدوات المناسبة.

إهمالنا لأطفالنا واقع لا نستطيع إنكاره، وعلى هذا الأساس ينبغي أن نقوم بمسؤولياتنا، وأن نؤسس لإعلام للطفل يقدم محتوى محليا ينبني على أسس علمية، ويقوم على مقوماتنا الحضارية المتفق عليها، ويضع الطفل في قلب مجتمعه وثقافته، وأن نتشدد في المحتوى الذي يشاهده أطفالنا، فهم لا يملكون (فلاتر) تنتقي الحسن وتنبذ السيئ، بل يتلقون ببراءتهم كل شيء.

ولا ينبغي أن نعتمد على ثقافة الطيف الواحد، فالقنوات الدينية مثلا تركز على التربية الدينية، وأطياف أخرى تعتمد على أسس تربوية أخرى ربما تهمل الجانب الديني، وأطياف تسوق للعادات والتقاليد الاجتماعية، وكل هذه الأطياف يجب أن تنصهر وتذوب في رؤية واحدة تضع مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، وتقدم إليه القيم النبيلة في خطاب إعلامي مناسب لطفولته وحاجته وقدراته الإدراكية.

وفي رأيي أن وزارات (الإعلام/ والتعليم/ والثقافة/ والشؤون الاجتماعية)، ومعها (هيئة الترفيه)، مسؤولة مسؤولية كبرى عن أطفالنا، ويجب أن تقوم بدورها الوطني في هذا الشأن، ولا يحتمل الأمر التسويف ولا التأخير، فنحن بحاجة ماسة إلى قنوات تلفزيونية متعددة لأطفالنا، وقنوات تعليمية موثوقة على اليوتيوب، وتنظيم للمحتوى الرقمي الذي يبثه الهواة للأطفال على الانترنت، ودعم للمؤلف السعودي في أدب الطفل، وملتقيات وبرامج ترفيهية للأطفال، ضمن الحزم الترفيهية التي تقدمها هيئة الترفيه، وكذلك برامج توعوية للأسر لتقنين ما يشاهده الأطفال، والأخطار المحدقة بهم صحيا وفكريا من بعض ما يشاهدون، والحرص على الإفادة من القامات والكفاءات الوطنية في أدب الطفل.