عمر سراج أبو رزيزة

زوجات الأنبياء والمرسلين عليهم السلام منزهات عن الفواحش والرذائل

السبت - 29 يونيو 2019

Sat - 29 Jun 2019

كتب الزميل الأريب والصديق اللغوي الأديب في صحيفة المدينة الأربعاء 12 شعبان 1440 هـ الموافق 17 أبريل 2019م في عددها 20447 مقالة حملت عنوان "الأرملة السوداء" "لا حنان ولا حنين". وقد جاءت عبارات المقالة رائقة سلسة تعكس مهارة الكاتب في اختيار الكلمات والجمل وبراعته في إضفاء مسحة بلاغية عليها مما زادها رونقا وبهاء.

مقدمة المقالة كانت موفقة، قارن فيها بين الحشرة السوداء العنكبوتية وبين ما يستهدف إيصاله إلى القارئ واتخذ من ضرب المثل منهجا لبيان الحال وتجسيده فأجاد وأحسن.

ترمي المقالة إلى تبشيع جريمة الزنا، خاصة إذا كانت مصحوبة بالمجاهرة، الأمر الذي ينم عن استهتار وجرأة على انتهاك حرمات الله. إن الزميل العزيز غيرة منه على أعراض المسلمين، وحفاظا على الآداب والأخلاق الإسلامية السامية التي تحمي النشء وتصون المجتمعات، يطلقها صيحة تحذير لعلها تلقى آذانا مصغية، وقلوبا واعية.

نعم كاتبنا الجليل، إن الزنا جريمة قبيحة ممقوتة، تأباها الفطر السليمة، وتمقتها النفوس الأبية، لذا حرمه الله تعالى، بل وجعله من الكبائر ولا خلاف في ذلك، وشدد في العقوبة على ارتكابه، خاصة إذا كان الفاعلان محصنين فجعلها أشد العقوبات، الرجم حتى الموت. فلا يقام حد الرجم إلا على الزناة المحصنين. ونص القرآن الكريم على تلك العقوبة في آية نسخ لفظها وبقي حكمها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة جزاء بما كسبا نكالا من الله"، وقد طبق الرسول الكريم حكم هذه الآية فنفذ صلوات الله عليه حكم الرجم، كما نفذه الخلفاء الراشدون بعده رضي الله عنهم.

إن الشارع الحكيم لم يبح دم المسلم إلا في ثلاث: قتل النفس المسلمة بغير حق، والثيب الزاني، والمرتد الذي خلع ربقة الإسلام من عنقه، يعبر الرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بأسلوب قصر طريقه النفي والاستثناء فيقول "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

ولعظم هذه الفاحشة وآثارها الوخيمة على المجتمع المسلم حذر الله تعالى من ارتكابها في عدة آيات كريمة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك فنهى حتى عن مجرد الاقتراب من دواعيها قال تعالى (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ).

والزنا قبيح ولكن يشتد قبحه ويزداد الوعيد لمرتكبه عندما يكون الوصول إليه سهلا كأن يكون مع المحارم أو مع حليلة الجار، يبين ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قال: قلت له: إن ذلك لعظيم. قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قال: قلت: ثم أي؟ قال أن تزاني حليلة جارك. ولا شك أن هذا جرم عظيم وخيانة للأقربين.

والأنكى من ذلك حال من يجترئ على انتهاك حدود الله خفية ويستره الله فإذا به يحادث الناس بمعصيته، وقد توعد الرسول على ذلك كما يصور حديث سالم ابن عبد الله حيث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

إن الله عز وجل ستير يحب الستر ويحض عليه لحكمة يعلمها لعل منها استرجاع المبتلين بالمعاصي حتى لا يفجر العاصي حين يعرف جرمه، ورحمة به لعله يرجع عن غيه ويتوب فتقبل توبته إن كانت نصوحا. كما أن التحدث بالمعصية يستلفت نظر الآخرين إليها، وقد يغريهم بارتكابها. ولذلك حث الرحمن على الستر إن لم يترتب على ذلك أمر يضر بالمسلمين، يبين ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة: ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. لكن أن يفاخر القبيح بقبحه بعد ارتكاب ما يغار الله منه وهو انتهاك محارمه فهذا أمر مستبشع. إنه لا يقدم على التحدث بالذنب إلا العاصي الذي لا يزال يجد للذنب لذة في قلبه، والمجاهرة بالذنب والالتذاذ به تعني عدم الندم ومن ثم البعد عن التوبة أكثر فأكثر.

إن عواقب الزنا وخيمة ونتائجه مؤلمة قد يمتد تأثيرها لأجيال متعاقبة حيث يزود الأسر بمحارم هم ليسوا بمحارم، كما أنه قد يورث أشخاصا ليسوا بورثة، مما قد يحرم أشخاصا هم الورثة، أو ينقص ويجور على أنصبة الورثة الحقيقيين.

وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الموطأ: ولا فشا الزنا في قوم إلا كثر فيهم الموت، وورد في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم: وما عمت الفاحشة في قوم حتى يجاهروا بها إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في غيرهم.

إن هذا يبين أن في إتيان مثل هذا السلوك خطر على المجتتع أي خطر. كما يجب أن يعي الإنسان تماما أن الجزاء من جنس العمل، لذا جاء عن الإمام علي كرم الله وجهه: الغيور لا يزني. وهي كلمات توزن بالذهب لمن يدقق في معانيها، ثم أين كل هذا من الجزاء الأخروي وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعمل ما شئت فإنك مجزي به.

وفي هذا المقام لا يفوتني أن أشير ـ أمانة للعلم الذي استودعنا الله إياه ـ إلى ما تطرق إليه الزميل العزيز في تفسيره الآية الشريفة التي قال الله تعالى فيها "ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين"، إذ قال إن الخيانة هنا خيانة دين أو خيانة عرض، فأصاب في الأولى وأخطأ في الثانية فلعلها زلة قلم، وأقول له: ما هكذا فسر المفسرون الخيانة في الآية، فأزواج الأنبياء منزهات من هذا الدنس وتلك الرذيلة.

وأحيل في هذا إلى ما قال الحبر البحر ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما "والله ما بغت امرأة نبي قط ولكنهما كفرتا"، ورغم أن الحديث موقوف فإن له حكم الرفع لأن مثله لا يقال بالرأي.

وقد وفق الله فاطلعت على تفاسير للقرآن العظيم عدة: ابن كثير، القرطبي، الطبري، الرازي، الطوسي، الزمخشري، ولم أر واحدا منها قال بغير ما ذكرت آنفا، وملخص أقوالهم في "فخانتاهما":

1. خيانة امرأة نوح أنها كانت كافرة وكانت تقول للناس إنه مجنون.

2. كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، أي خانتاهما في الدين.

3. وكانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين.

4. كانتا مخالفتين دين النبي صلى الله عليه وسلم كافرتين بالله.

5. كانتا منافقتين.

6. كانت خيانتهما النميمة.

وأختم بقول الزمخشري رحمه الله في الكشاف: ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر فإن الكفار لا يستسمجونه بل يستحسنونه حقا، وعن ابن عباس رضي الله عنهما (ما بغت امرأة نبي قط). أما الفيروزأبادي فقال "فخانتاهما" مخالفتهما في الدين وأنهما أظهرتا الإيمان باللسان وأسرتا النفاق بالقلب، ولم تخونا بالفجور لأنه لم تفجر امرأة نبي قط.

وختاما أشكر الكاتب القدير على غيرته على أعراض المسلمين، داعيا المولى العظيم بفضله الكريم أن ينفع بما يقول ونقول، وأن يجنبنا جميعا الزلل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحسن الأحوال والأقوال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.