خالد عيسى السلمي

من رائد أعمال إلى صائد جوائز

الجمعة - 28 يونيو 2019

Fri - 28 Jun 2019

كنت أتجول في أحد معارض ريادة الأعمال والإبداع التي تقام بشكل سنوي، ورأيت العديد من المشاريع المذهلة، لكن ما لفت انتباهي أكثر هو ذاك الشخص الذي أراه دائما، والذي أصبح يتقمص دور الريادي ظاهريا وتراه في كل محفل يبحث عن الاهتمام والمكافآت والشهادات أكثر من بحثه عن حل مشاكل مشروعه وتطويره. لم يعد شخصا واحدا، بل أصبحوا أشخاصا، ولم يعودوا رياديي أعمال، وإنما أصبحوا صائدي جوائز!

ثقافة ريادة الأعمال في المجتمع السعودي أصبحت أقرب ما تكون لثقافة صيد الجوائز، حيث أصبحت هذه المنصات التنافسية والمسابقات الريادية ذات مردود مالي سريع لكثير من أصحاب المشاريع. اعرض مشروعك، وخذ مكافأتك ومن ثم توجه لمسابقة أخرى لتقوم بالشيء نفسه.

في السنوات الخمس الأخيرة تم إجراء ما لا يقل عن 25 مبادرة تحفيزية لرواد الأعمال كمسابقات وطنية وغيرها، ولكن إذا وضعت مخرجات العديد من هذه المنصات والمسابقات الريادية تحت المجهر ستلاحظ أنها لم تستطع الصمود في السوق كمشاريع حقيقية، وإنما تحول كثير من أصحاب هذه المشاريع لصائدي جوائز يبحثون عن هذه المسابقات لحصد ما يمكن حصده والاستفادة منه بشكل شخصي. أصبحت ظاهرة مخيفة، بل وتضر برواد الأعمال الحقيقيين، وتقلل من مصداقية أصحاب الأفكار التي في طور التحول لمشاريع لدى المستثمرين.

أتفهم الدور الرائع الذي تقوم به العديد من الجهات لتعزيز ثقافة ريادة الأعمال والابتكار، ولكن الذي لم أفهمه بعد هو لماذا لا تتم الاستفادة من الدروس التي تتكرر بكل محفل ريادي! حيث أصبحت بعض الجهات تعزز ثقافة صيد الجوائز بشكل يدعو للقلق.

المخرجات السريعة بهذه المحافل الريادية وعرضها كإنجاز لا تعني بالضرورة أنها إنجاز ريادي حقيقي، نجاح المشروع واستدامته وخلق وظائف هو ما نستطيع أن نسميه إنجازا فقط. توقيع مذكرات التفاهم والتقاط الصور والتركيز على الفلاشات لا تعني بالضرورة أن هناك إنجازا تم تحقيقه، إنما تحقيق ما تم الوعد به بمذكرات التفاهم هو الإنجاز فقط. عوضا عن النظر لهذه الأمور كمشاكل في منظومة ريادة الأعمال، دعوني أسميها فرصا قابلة للتحسين.

بناء على تقييم مجموعة البنك الدولي في تقرير أعد لمعرفة «سهولة عمل مشروع» في عدد من الدول، حصدت المملكة العربية السعودية الترتيب 92 من أصل 190، بينما مقارنة بالدول المجاورة حصدت الإمارات الترتيب 11.

الدعم الذي يحتاجه الريادي الحقيقي لإنشاء مشروعه أو تحسينه لا يتمثل فقط بالمكافآت المالية أو الشهادات التكريمية، نعم هذا محفز لكن لا ينبغي أن يكون الهاجس الأوحد. منظومة ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية ينبغي أن يكون لها دور فعال وأكبر لتحسين مخرجات المشاريع الموجودة وتوجيهها بما يلائم احتياجات السوق، وتذليل العقبات التي يواجهها عديد من رواد الأعمال، فعلى سبيل المثال لا الحصر الضمانات البنكية التي تطلب من المؤسسات الصغيرة، والتي تكون عائقا في كثير من الأحيان! أمر يجعلك تتساءل: هل فعلا بعض هذه الجهات تحاول دعم ريادة الأعمال؟

نحتاج لتحليل دقيق لمدى جدوى النشاطات المتكررة لدينا، والتي تندرج تحت مسميات دعم ريادة الأعمال، ومعرفة الأثر الحقيقي لها وكيفية تحسينها للوصول لنتائج أفضل، إضافة لذلك نحتاج ربط توجهات رؤية 2030 بعدد من هذه المنصات، ولا أقصد هنا وضع شعار الرؤية، بل ما أقصده استخراج الفرص الاستثمارية من القطاعات المهمة التي ترتكز عليها الرؤية، كالتعدين والصناعة والطاقة والخدمات اللوجستية، إضافة للترفيه وغيرها. ينبغي لهذه الجهات التفكير بآليات عملية لتوجيه رواد الأعمال من مشاريع الكب كيك إلى مشاريع التصنيع المتقدم والابتكار الحقيقي.

@KhaledSulami