أماني سالمين

«المرفوض».. عبثية سوداء!

الثلاثاء - 25 يونيو 2019

Tue - 25 Jun 2019

يفتتح الكاتب «فالح الصغير» مجموعته «المرفوض» بشخصيات ترفض الواقع ويرفضها. في القصة المعنونة بعنوان المجموعة «المرفوض»، جو الخطر المترصد يغلب القصص، والصور المقلقة والشنيعة تسيطر على المشهد وتمتد لبقية القصص في المجموعة.

يناقش الصغير أكثر من قضية في القصة على شكل مشاهد متفرقة لصورة كبيرة قد تترابط عناصرها وقد لا ترتبط، ويبدو أن الكاتب أراد إضافة عنصر اللاربط ليوصل الحالة الذهنية لمن يجد نفسه في عمق اليأس ويسير في الخط الفاصل بين العقل والجنون.

كما هو الحال في القضايا التي ناقشها: الفقر، الاستبداد، احتكار الأموال، العنف الجسدي، حيث تكون الضحية في كثير من الأحيان في حيرة من أمرها وتحتدم الأسئلة في ذهنها، تترك المجموعة القارئ وقد أنهكته أسئلة بدوره. قراءة القصص منهكة نفسيا.

تصنف المجموعة كأدب عبثي، السخرية، اللاهدف، والكوميديا السوداء. الوجودية في المجموعة تسخر من نفسها، فعبثية الوجود الإنساني تصطدم بثقل المسائل التي لا يمكن تجاهلها. المسائل ثقيلة لكن يتم عرضها على شكل قصاصات هنا وهناك والمرور عليها سريعا مع مسائل أخرى قد تساويها بالأهمية، فإن توقف القارئ وجمع الصور وأعطى أهمية ومعنى للمشهد انتقضت عبثيته.

وقد يمثل ذلك هروب الكاتب الذي لا يستطيع أن يطيل النظر في المشهد الشنيع الذي يحدث أمامه، فيختلس صورا يوصلها إلى القارئ ليجمعها، أو يتجاهل جمعها بالكلية وتمر كسخرية الكاتب منها.

الحبكة فيها تشظ، وهو من خصائص النص الحداثي. قد تصنف المجموعة أيضا تحت مسرح التهديد أو أدب التهديد، وهو إحساس ملازم للشخصيات من بداية المجموعة إلى نهايتها، أحيانا يصرح به وأحيانا يشير إليه. عادة ما يهدف الكاتب بمزج عناصر كوميدية والإحساس بالتهديد لغاية ما، عادة ما تكون اجتماعية أو سياسية.

يذكر الصغير في قصصه أشخاصا لا نعرف عنهم سوى أسمائهم: سند، جاسم، مبارك! ثم لا يتضح بسهولة ماذا يحصل ولمن يحصل؟ الأسماء تضيع تحت وطأة الأحداث فيصبح التركيز الأكبر على الحدث نفسه، وكأنه يقول إن الأشخاص قد يتغيرون، لكن وقع الحدث يظل نفسه والتجربة الإنسانية، على تنوعها، متشابهة في أثرها على الأفراد.

أحدث الصغير وحدة في نصوصه عن طريق استخدام السخرية، والرموز، والأدوات الأدبية. توظيف الكاتب للرموز أعطى وحدة للنص المتشظي ظاهريا. قد تجد عنصرا يتكرر في نفس القصة لإحداث أثر ما، على سبيل المثال نجد الحجارة في قصة «المرفوض» فبعد أن ظهرت الحجارة كوسيلة جذب انتباه لوجودية كائن بشري، تحولت إلى رمز لاحتيال رأسمالي في المشهد التالي. تتحول الحجارة إلى وسيلة قمع في المشهد الرابع وتختم القصة بالأحجار كثائرين ابتلعوا المشهد وساح كل شيء في قدر التشابه، فأصبح الفرد الحانق مجرد صوت من مئات الأصوات الصامتة كالحجارة!

يقدم الصغير في قصة «الحذاء» نقدا للأوضاع الاجتماعية المختلفة، كما يتعرض لمواضيع كالتعليم، المصالح، المناصب، وغيرها. يوظف الكاتب الحذاء كأداة قمعية في القصة، فابتداء من الموظف الذي يربط حذاءه خوفا من الرئيس، إلى العودة بالذاكرة إلى الوراء والخوف من المدير الذي قد يضربه. يتنقل الصغير في نفس القصة بين الزمان والمكان، فتارة ترى الشخصية كطالب في المدرسة يخضع لسلطة المدير المخيف أو كموظف يخاف استبداد رئيسه، فتتولد شخصية دافعها وراء سلوكها هو الخوف في المقام الأول.

يطلب المدير من الموظفين شراء الأحذية من محل ابنه المفتتح حديثا، حيث تتشابك السلطة والفساد. أصبح الكل يطلب رضى المدير عن طريق شراء الأحذية من ذلك المحل. ثم يعود بالذاكرة إلى الوراء ليتذكر ذلك المدير الذي يفتش على الأظافر ويعاقب المخالف، فيأكل أظافره خوفا من المدير وتستقر في بطنه «أكل أظافره خوفا من مدير المدرسة.. في بطنه أظافر.. كم هي موجعة الأظافر عندما تستقر في البطن». (الصغير، 20).

قبل أن تختتم القصة، يوضح الكاتب بأسطر كيف أن الأحذية والأربطة مستخدمة كأدوات قمعية «توجد أربطة لإغلاق الفم. لا بد أن تكون في دكان ابن المدير. نعم الأربطة في الدكان.. وفي مكتب المدير. أغلق فمك تعش سعيدا». (الصغير، 21).

تعود الصور المخيفة لمسرح التهديد، حيث الصور المربكة لتقيؤ الأظافر التي تخرج كأنها أربطة أحذية، يقابلها وجه المدير المبتسم. الصور التي يطرحها الصغير صادمة ومخيفة.

هناك تنوع كبير في القضايا التي يطرحها. أعتقد أن فالح الصغير كاتب بارع جدا، بل عبقري. تصاويره جيدة جدا، وتعد مجموعته القصصية مادة ثرية لأي باحث أو ناقد يرغب في اكتشاف تجارب الأدباء في مختلف الألوان الأدبية.