عبدالله الأعرج

هل نحن بحاجة لمدراء؟

الاحد - 23 يونيو 2019

Sun - 23 Jun 2019

قد يتبادر للذهن في الوهلة الأولى أن التساؤل عن أهمية وجود مدراء للعمل أمر سطحي للغاية! وربما رآه البعض نوعا من الأسئلة الغريبة في عالم يعج بمناصب المدراء ونواب المدراء ورؤساء الأقسام ومدراء الوحدات ومشرفي العمل وغيرها كثير.

ولكل من وجد شيئا من الاستغراب أكرر سؤالي: هل نحن فعلا بحاجة إلى مدراء للعمل؟ وقبل أن تنطلق الإجابات من القارئ الكريم مستندة على الحتميات أو مدفوعة بالعواطف أو منطلقة من التعجب، أؤكد أن العمل الذي يحتاج إلى (مدير) بمفهومه المعروف (شخص يتابع أداء الموظفين أو العاملين ثم يوجه أو يقبل أو يرفض أو يثيب أو يعاقب) لم يعد أمرا عصريا - في تقديري، بل ربما لا أبالغ إذا قلت إنه يعكس أحيانا تشوشا في الأداء وعدم وضوح في الأهداف، وغيابا عن الأنظمة والتشريعات المنظمة للعمل بشقيها المعروفين الحقوق والواجبات، والأهم من كل هذا غياب العمل بروح الفريق الذي هو سمة المجتمعات العملية المتحضرة!

ولأكون أكثر قربا سأبدأ بالتذكير بأن العالم اليوم لم يعد يتمتع بالتكنولوجيا، بل أصبح مدينا لها بإدارة كل شيء في حياته، خيره وشره جميله وقبيحه عاجله وآجله، أصبحنا نحتكم إلى التكنولوجيا ونتحدث معها ونتواصل من خلالها ونزيد ثراء بها ونصبح أكثر إفلاسا تبعا لها، بل إنها أصبحت الصاحب في السفر، ففي جيوبنا تكنولوجيا، وفي معاصمنا وآذاننا تكنولوجيا، ونمتطي التكنولوجيا جوا وبرا وبحرا، فتحدد قراراتنا السيادية من حيث مستوى الوقود والسرعة وإمكانات المركبة ووقت الوصول ودرجة الحرارة في ظروف مختلفة، لتنقلنا بعدها لعالم آخر لا يلزم معه سوى ضغطة زر نتحول فيها من شتاء إلى صيف أو من صيف إلى شتاء في مقصورة القيادة أو كرسي المسافر، التكنولوجيا أيضا جعلتنا نضحك في المجالس دون أن نتكلم، ونبكي دون أن نسمع، بل إنها ذهبت لأبعد من ذلك من خلال ثورات أكثر تعقيدا في طريقها إلينا تسمى «الذكاء الاصطناعي»، وربما نصل إلى أكثر من ذلك ليكون المستقبل الواعد وصنع القرار للتكنولوجيا، فتكون حينها هي «الذكاء الحقيقي»!

وبذكر كل هذا ربما نصل لموازنة مفادها بأن مساحة التحرك في صنع القرار البشري في المنظمات، والذي هو أحد أهم إفرازات الإدارة لم يعد بالاتساع الكبير بحيث نظن أن (مديرا) ما في منظمة سيكون هو المحرك الأوحد لبوصلة العمل، والموجه الأقدر، بحيث يترتب على غيابه تهاوي منظومة العمل وشلل تام لسيرورتها وصيرورتها، وحين يكون التهاوي والتنامي بسبب ذلك (المدير) فلنعلم يقينا أن الفشل مؤسسي يطال كل موظف، وليس فرديا يتحمل جريرته ذلك الموظف المسمى (مديرا)!

السؤال القادم:

إذن ما الحل؟ نحن اليوم سادتي الكرام بحاجة إلى (متابعي عمل) فقط مع عدد قليل من المخططين، لأن جميع من يعمل بالمنظمة وبمفهوم الأداء العصري هو جزء من فريق التخطيط، مما تنتفي معه الإدارة بشكلها الحالي، وإلا كيف يمكن لمن يخطط ضمن فريق عمل تكاملي أن يكون مديرا لباقي الفريق! كيف يمكن لعضو من جسد أن يكون قائما لوحده حتى وإن كان مهما، في ظل غياب باقي الأعضاء المشاركة لا المساندة!

اليوم سادتي نحن بحاجة لأن يكون كل فرد في المنظمة مديرا على نفسه! يراجع خطط المنظمة بنفسه وينفذها بنفسه ثم يتابع تنفيذها بنفسه، ويتأكد من التغذية الراجعة والملاحظات بنفسه، ويطورها مع الفريق بنفسه، نعم كل هذا بنفسه لأنه يملك ما يملكه كل فرد في المنظمة، بدءا من العصف الذهني حتى الوصول إلى التغذية الراجعة ومراجعة الأداء.

اليوم نحن بحاجة ماسة جدا لمراجعة مفاهيم ما زلنا نتوارثها دون تمحيص وتدقيق حول مسمى مدير أو ما شابه في منظومة العمل، اليوم أصبح العالم يدعو للمشاركة والإبداع والتكامل والتقارب في بيئات العمل أيا كانت، لأنها هي المستقبل الحتمي cooperate and graduate، وعندما يستقر هذا الفهم في أفئدتنا فستضمحل معه كثير من انتقادات الإدارة وشكاوى المدراء، وسننعم بمفهوم إداري عصري ديناميكي جديد عنوانه العمل للجميع والكل (مدير)!

dralaaraj@