طارق جابر

الدواء السحري

الخميس - 20 يونيو 2019

Thu - 20 Jun 2019

مرة أخرى نعود للسمنة ولعلاج السمنة. المرض الذي نما وانتشر في السنوات الماضية بمعدلات عالية لا تقابلها معدلات أي مرض آخر حتى أمراض القلب والسكر والأورام. واستقطب الموضوع اهتمام الأطباء والباحثين حتى حلت أبحاث السمنة في المرحلة الثانية بعد أبحاث أورام الثدي على مستوى العالم، متجاوزة بذلك كل ما نشر من أبحاث في مجالات صحية أخرى.

هذا الانتشار الوبائي للسمنة نتج عنه ثورة في علاج وجراحة السمنة، ويكفي أن نعرف أن دولة واحدة مثل الولايات المتحدة التي يعاني ثلث سكانها من السمنة والثلث الثاني من زيادة الوزن (شبيهة بأرقام السعودية) زاد فيها عدد عمليات إنقاص الوزن من 150 ألف عملية تقريبا عام 2011 إلى ربع مليون عملية تقريبا عام 2017، والأرقام في اطراد.

هذه الحقائق كانت كفيلة بأن تسيل لعاب شركات الدواء التي تعي جيدا حجم السوق وفرص الأرباح المتوقعة، وتعرف أيضا أن الآلاف والملايين من المرضى الذين يخضعون لجراحات السمنة كانوا يتمنون لو أنه كان هناك دواء سحري يقضي على السمنة دون الحاجة للجراحة وتحمل تكاليفها ومخاطرها.

إن صناعة الدواء صناعة مربحة جدا وتأتي عالميا في المرتبة الثانية بعد صناعة الأسلحة من حيث المرود المادي. وشركات الدواء لا ينقصها المال للاستثمار في الأبحاث والتطوير لإيجاد عقار جديد يسترد ما صرف عليه أضعاف مضاعفة وفي وقت قصير.

وللأسف لأن شركات ومصانع الدواء هي في الأساس مؤسسات ربحية فهي تعرف أن تطوير دواء فعال لعلاج الصلع أو السمنة أو الضعف الجنسي مجد أكثر بمئات المرات من إنتاج علاج لمرض خطير عدد المصابين به على مستوى العالم ربما لا يتجاوز بضعة آلاف أو حتى مئات الآلاف. هذا كله أدخل الجامعات ومراكز الأبحاث في سباق للوصول إلى هذا الدواء السحري لعلاج السمنة، وفي نفس الوقت دخل في هذا السباق كثير من المؤمنين بالطب البديل وأطباء الأعشاب والطب الشعبي، بل والأفاكون والمحتالون، كل على أمل أن يحظى بنصيب من هذه الكعكة الكبيرة.

أي متابع لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة سيمر عليه يوميا كم كبير من التسويق والترويج للمستحضرات العجيبة التي تقضي على السمنة وتعيد الشيخ إلى صباه، والتي يسوق لها على أنها فعالة ومأمونة ومجربة بل ومعقولة السعر. وأي زائر لأي صيدلية سيرى مختلف الأدوية والمستحضرات التي تمثل الطريق السليم إلى الرشاقة، بل إن هناك من الأطباء من غير تخصص جراحة السمنة من تصدوا للأمر وآمنوا بأنهم سيهزمون السمنة بالأدوية والعقاقير.

وسط هذا المهرجان الكبير أين تكمن الحقيقة العلمية؟ وهل جراحة السمنة تشهد آخر أيامها؟ ومن هذا الكم الهائل من الأدوية ألا يوجد شيء مفيد؟

الموضوع يحتاج إلى مساحة أكبر للشرح، وكما كان يحدث معي فجأة (عندما كنت صغيرا وجميلا، كما قال محمود درويش) حين كنت أقرأ القصص المصورة، سأقول لكم، البقية في المقال القادم.

drtjteam@