محمد الحربي

أيقونة الشغف والإلهام

الخميس - 20 يونيو 2019

Thu - 20 Jun 2019

«اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، مقولة مأثورة جسدت معانيها في أجمل مثال مواطنة سعودية تجاوزت الـ 60 من عمرها، وضربت أروع الأمثلة للطموح والإصرار وتجاوز العقبات للوصول إلى غاياتها النبيلة.

لم يثنها التقدم في السن، ولا ظروفها الصحية التي تمثلت في إصابتها بالعمى المؤقت، ثم فقدها القدرة على النظر، عن المضي قدما نحو تحقيق أمنياتها والحصول على الدرجات العلمية في مختلف مراحل التعليم العام والجامعي والعالي، بالإصرار والكفاح والاعتماد على الله أولا، ثم على قدراتها وطموحها لتجاوز كل الصعاب التي قد تعوقها عن الوصول إلى مبتغاها.

هذه العزيمة القوية دفعتها للعودة إلى مقاعد الدراسة في سن الـ 52 من العمر بعد انقطاع استمر سنوات عديدة، وتوجت عودتها بالحصول على الشهادة الثانوية من معهد النور بالمدينة المنورة، ثم بكالوريوس التربية الخاصة من جامعة طيبة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وحظيت بتكريم نائب أمير منطقة المدينة المنورة الأمير سعود بن خالد الفيصل، نتيجة لتفوقها الفريد والمميز.

سعدت بمقابلتها بمكتب مدير جامعة طيبة الدكتور عبدالعزيز السراني الذي استقبلها بمناسبة تخرجها وتفوقها هذا العام، وأثنى على كفاحها وإصرارها الذي كانت ثمرته هذه الإنجازات، وتوج ذلك بمكافأتها بمنحة دراسية مجانية للالتحاق بأحد برنامج الدراسات العليا في كلية التربية، كونها قدوة وأنموذجا يحتذى به في الكفاح والنجاح.

وعلى الرغم من أن المواطنة المكافحة الأستاذة تحية فرغلي إحدى المنتسبات إلى جمعية المكفوفين الخيرية بالمدينة المنورة «رؤية» إلا أنها رفضت خلال اللقاء وصفها بالمعاقة، وأكدت توليها تصريف شؤون حياتها الدراسية والاجتماعية دون مساعدة من أحد، في مثال آخر لعدم اليأس، والتعامل مع الصعوبات دون الشعور باليأس أو الضعف والحاجة لمساعدة الآخرين، فضلا عن عدم اكتفائها بما حققته من إنجازات قد تكون مستحيلة لدى البعض، بل إنها طلبت من مدير الجامعة الحصول على منحة دراسية أخرى لدراسة الدكتوراه!

من وجهة نظر شخصية، فإن الأستاذة تحية تعد أنموذجا مشرفا وملهما للرجال والنساء والطلاب والطالبات الأسوياء منهم وذوي الاحتياجات الخاصة على حد سواء، وذلك من خلال عصاميتها وتعاملها مع الصعوبات الصحية والاجتماعية والتعليمية ومواجهتها بكل شجاعة وإيجابية، ويمكن للجميع الاستفادة من محطات مشوارها بحلوها ومرها، واتخاذها مثلا أعلى، خاصة أنها لم تكتف بالعمل الجاد والمتواصل لتحقيق طموحاتها العلمية، بل لها إسهامات ومشاركات مجتمعية مختلفة أثبتت من خلالها أن الطموحات المشروعة لا يمكن أن تقف أمام تحقيقها أي صعوبات أو معوقات مهما عظمت.

بيت القصيد الذي يمكن استخلاصه من هذا النموذج المشرف للمرأة السعودية أن الاستسلام للإعاقة هزيمة نفسية في المقام الأول، وأن الإعاقات الجسدية يمكن التعايش معها إن توفرت المؤسسات المتخصصة والبرامج والأنشطة الملائمة التي ترعى ذوي الاحتياجات الخاصة وتصقل مواهبهم وتنمي قدراتهم، وتوظفها إيجابا لتشكل قيمة مضافة للمجتمع، وهي رسالة يفترض أن يعيها جميع المعنيين بهذه الشريحة الغالية، من المعلمين والمعلمات والقيادات والأخصائيين والأخصائيات ممن يضعون صوب أعينهم الوفاء بمتطلباتهم دون انتقاصهم، أو النظر إليهم بعين الشفقة والرحمة، وهي نظرة قد لا يحبذها كثير من أصحاب الهمم العالية.

Dralharbi1@