إدارة الأزمات

الأربعاء - 19 يونيو 2019

Wed - 19 Jun 2019

جزء كبير من إدارة الأزمات والكوارث ينجح بقدر الاستعداد لها، والاستعداد يمثل على الأقل 90% من نجاح «التعافي من الأزمات والكوارث»، ومن ضمن الاستعدادات هناك ما يعرف بـ «العطل الفرضي» أي أن تقوم بتعمد تعطيل عنصر هام من الخدمة لكي تجرب مدى استعدادك وتختبر مدى قدرتك على إدارة تلك الأزمة والتعافي منها.

موضوع «إدارة الأزمات والكوارث والتعافي منها» أحد أهم وأكبر مواضيع «إدارة الأعمال» المتقدمة، ويدرس في الجامعات المتقدمة للتنفيذيين، فالسؤال لكل شركة ومنظومة مزودة للخدمات «كم من المدراء التنفيذيين حضروا هذه البرامج وطبقوها في منظومة أعمالك؟».

الأزمات والكوارث (لا قدر الله) بعضها بسيط وبعضها متوسط والبعض متقدم، وحديثنا عن الأزمات الخدمية، مثل أي تعطل لتقنية المعلومات في أي قطاع (بنوك، شركات عملاقة، خدمات ضرورية) وفي تعطل خدمات تزويد الكهرباء والمياه والاتصالات والحماية من غرق السيول وبقية الخدمات المشابهة.

قبل الحديث عن الاستعدادات والتخطيط لإدارة الأزمات، يجب أن نعلم أنه عند وقوع أزمة أو كارثة، في الغالب نحن بحاجة إلى قيادات للأزمات، إضافة إلى القيادات التي تعمل على تزويد الخدمة، من الضرورة تكوين فريق عمل مكون من الاثنين.

الاستعداد للتعافي من أي أزمة أو كارثة يمكن تلخيصه في «خطة للتعافي من الأزمات والكوارث» توضح النقاط الأساسية وأيضا التفصيلية لكل عنصر بالخدمة، وترصد لها الميزانيات وتتابع مراحل التنفيذ حتى الاكتمال، ثم يتم توثيقها من «مراجع ومدقق فني وتقني» داخل الشركة والمنظومة ومن خارجها أيضا، وكذا الاستعانة بـ «مراجع ومدقق» مستقل من خارج المملكة كأن تستعين بشركة أوروبية أو أمريكية متقدمة لمراجعة «الخطة» وتنفيذها وتأكيد جدواها.

من أهم عناصر الحيطة والاستعداد لأي أزمة أو كارثة هي متابعة دقيقة للصيانة الدورية للأجهزة والمعدات ومتابعة مؤشرات الأداء المتعلقة بذلك. مع الأسف في بعض الأحيان نجد أنه ليس لدينا صيانة دورية (حتى لسياراتنا) حتى تتعطل فتكون التكلفة أكثر بكثير والضرر أكبر بكثير، وعلى السياق نفسه تكون نتائج الصيانة الدورية لعناصر خدمات الاتصالات والكهرباء والمياه وغيرها.

هناك ما يسمى بـ single point of failure أي عناصر ليس لديها احتياطات موازية ومساندة (أي مصدر واحد)، فمثلا لو كانت الأحياء الشمالية لمنطقة الرياض تغذى بالمياه من مصدر واحد فإن تعطل المصدر يعطل شبكات المياه لجميع تلك الأحياء، فالأصح أن تقسم الأحمال على مصادر عدة، وفي حال تعثر أحدها تقوم بقية المصادر بتزويد الخدمة دون انقطاع أو انقطاع جزئي بسيط.

مولدات الكهرباء في المستشفيات تسمى redundancy أي إنه في حال تعثر تزويد الكهرباء من شركة الكهرباء لأي سبب كان فالمولدات (الموجودة بالمستشفى والتي تعمل غالبا على الديزل) تقوم بالأعمال الكافية وإن كانت مؤقتة ولكنها مجدية. في هذه الحالة أيضا بالذات يجب أن تكون الكهرباء الأساسية مزودة من جهتين توزع من خلال شبكتين متصلتين ببعضها. ولكن من الضرورة فحص مدى جاهزية هذه المولدات، وهنا يأتي دور «العطل الفرضي»، وهو أن تفترض أن الكهرباء الرئيسية انقطعت فتفصلها وتختبر جدوى قيام المولدات الاحتياطية بالعمل المأمول منها.

بالنسبة للبيانات وبعض الاحتياطات الأخرى، يجب أن يحتفظ أي قطاع بنسخة مطابقة للمعلومات في مكان آخر آمن، والحلول لهذه كثيرة ومتقدمة، المقصود أنه تخيل أن يفقد بنك معلومات العملاء في الكمبيوتر المركزي، وهنا يأتي دور التكنولوجيا المتقدمة بالنسخ المتطابقة التي يتم تحديثها بالدقيقة والثانية، وأعتقد أن جميع البنوك والقطاعات المهمة متحصنة من هذه الناحية فهي أحرص من غيرها على حفظ المعلومات.

القائمة تطول لأعمال الاستعداد للأزمات والكوارث، ولكن تنفيذها صعب لأسباب مع الأسف متعلقة بإدارة الأعمال، فإهمال بسيط يسبب حرجا كبيرا للشركة والمنظومة. ربما نحن بحاجة إلى مراجعة مستمرة لهذا الموضوع ليتم إدراك أهميته.

Barjasbh@