أحمد الهلالي

معارك أبي الخاسرة مع السكري!

الثلاثاء - 18 يونيو 2019

Tue - 18 Jun 2019

من النادر أن يخلو بيت من مصاب بالسكري أو الضغط أو القولون، وغيرها من أمراض العصر المزمنة المستشرية، حتى باتت كابوسا عند كثيرين، لأن أقسى أنواع المرض ما لا يرجى برؤه، وتأتي قسوتها من اغتيالها لشمعة الأمل الملازمة للمكروب، وامتدادها عبر الزمان، فلا أمل لتخفيف هذه الابتلاءات إلا في فهمها والتعايش معها، ومداراتها بالتخلي عن ملذات شتى، وتقبل التغيير الجذري في كثير من العادات الغذائية والاجتماعية والحياتية بصفة عامة.

أصيب والدي بالسكري بعد الأربعين، ولازمه هذا الداء الذي لا يستحق اسمه خمسا وثلاثين سنة مضنية، تمسك في بداياتها بحمية، وحاول الالتزام بها، لكن طول الزمان وظروف الحياة تكون أقوى أحيانا، والإنسان بطبعه يمل من الأنظمة الصارمة، استمر والدي في معركته مع السكري، فخسر عينيه، ثم هدد وظائف الكلى، وأضعف صحته العامة، ثم قبل أيام خسر قدمه اليمنى، وخضع لعملية جراحية كانت هي الحل الوحيد لحالته، اضطر الأطباء إلى بترها من فوق الركبة، بعد معاناته مع جرح أبى الاستجابة لكل المحاولات الطبية، فقد تصلبت الشرايين التي تغذي القدم بالدم، وأوعيته الدموية ضعيفة لا تتحمل (القسطرة) وهذا ما حداني إلى كتابة هذه المقالة.

يستحق المصابون بداء السكري عناية طبية مختلفة، وتوعية نوعية للمريض ولأسرته، ولا أدعي أن الوزارة أو مراكز السكري غافلة عن هذا الجانب، لكننا بحاجة ماسة إلى توعية نوعية مختلفة، تأخذ في الاعتبار أمرين مهمين، الأول: عناد كبار السن، والآخر: ملل المصابين من نوع الحمية المفروضة عليهم، كما أنهم بحاجة إلى شرائح بيانات يدون فيها كل تاريخهم المرضي، وكل إجراء طبي، يتنقلون بها أينما ذهبوا.

إن الفحص الذي يجرى في مراكز السكري، خاصة على الأطراف، ليس مقنعا ولا كافيا، فقد كان والدي يشكو من حرارة ونغزات في قدميه باستمرار، وكان الأطباء يهدؤونه بالكلام وأن هذا بسبب ارتفاع السكري، لكنهم لم يفحصوا تروية القدمين ولم يخبرونا مطلقا بتصلب الشرايين إلا بعد أن أصيبت قدمه، لنكتشف أن الأوعية الدموية ضعفت وتصلب بعضها، وباتت قدمه في مهب البتر.

يجب أن تبادر الجهات المختصة ممثلة في وزارة الصحة والوزارات والجهات ذات العلاقة إلى بناء منظومة متكاملة للتوعية بأضرار الأمراض المزمنة، وأن تجبر المرضى على إجراء الفحوصات الدورية اللازمة لكشف أخطار الأمراض قبل تعاظمها واستفحالها، وألا تكون زياراتهم إلى المراكز المختصة زيارات روتينية، كما يجدر تنبيه أسر المرضى بما تكشفه الفحوصات، وأخذ التعهدات عليهم بالعلم، كي يشعروا بأهمية الأمر.

من جهة أخرى، كم سيكون مفيدا لو صممت الجهات الصحية علامات مميزة تعلق أو تخاط في مكان بارز على ملابس للمصابين بالأمراض المزمنة، بألوان مختلفة بحسب نوع المرض، والترويج لها إعلاميا، خاصة مرضي (ارتفاع ضغط الدم والسكري) اللذين يتأثر المصابون بهما من الانفعالات المهددة لحياتهم، فيعلم من لا يعرفهم أنهم مصابون بتلك الأمراض ويتجنب استثارتهم، وستكون مفيدة أيضا فيما لو حدثت حالة إغماء مفاجئة لأحدهم، فمن الصعوبة بمكان أن يبحث الإنسان في جيوب المغمى عليه ليحصل على بطاقة تعريفية بمرضه، كما أن الأمراض التي تسبب الإغماء والتشنجات كثيرة ومختلفة، وما ينفع لبعضها من إجراءات الإفاقة لا ينفع مع الآخر.

خسر والدي بصره، وفقد قدمه، وتهاوت صحته، وأسأل الله أن يعوضه الأجر والجنة، فهو راض محتسب، ولست أكتب هنا للتشكي، بل لألفت النظر إلى معاناة أمثاله من المصابين بهذه الأمراض التي تأتي الأطفال والشباب أيضا، وتسرق صحتهم في غفلة منهم ومن أسرهم في مشاغل الحياة وطول المعاناة، وهي محاولة لتجنيبهم ما حدث لأبي أعانه الله، سائلا الله للجميع الصحة، ولأجهزتنا الصحية التوفيق في تقديم الرعاية المميزة لأبناء الوطن والمقيمين على ثراه.

وختاما، يجب أن يشعر المسؤولون بمعاناة المرضى الطويلة حين ينسد الأفق، فلسان حالهم كما قال امرؤ القيس في تصوير قسوة المرض الطويل بالموت الكثير المتعاقب:

فلو أنها نفس تموت جميعة

ولكنها نفس تساقط أنفسا

@ahmad_ helali