عبدالله المزهر

العادون..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 17 يونيو 2019

Mon - 17 Jun 2019

ثم امتد بي العمر حتى رأيت أحدهم يشتم آخر في تويتر ويصفه بأنه «ضد النسوية والإلحاد والمثلية الجنسية»، وهو يقول ذلك مؤمنا متيقنا أنه يوبخه توبيخا عنيفا ويحقر من شأنه، وهي ليست شتيمة جديدة، لكني لم أتوقع أن أشاهدها بنفسي، فقد سبقتها شتيمة مشابهة «أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون». وهؤلاء رغم أنهم كائنات «افتراضية» يندر وربما يستحيل مشاهدتهم على أرض الواقع إلا أنهم موجودون، ومشكلة وسائل التواصل ـ التي هي ميزتها في ذات الوقت ـ أنها متاحة للجميع، يمكن حتى لطفل في السادسة من عمره ـ وربما أقل ـ أن يكون له حسابات على مواقع التواصل، يتابع ويشاهد في السنوات الأولى ثم يبدأ في الإدلاء بآرائه في الاجتماع والسياسة والاقتصاد عند بلوغه سن العاشرة.

ومع وجود هذه الكائنات التي لا ترى في الواقع يمكن بسهولة التأثير على الوافدين الجدد إلى الحياة، فالطفل الذي لا يسمع عن المثلية والإلحاد إلا في قوالب جميلة مثل (الحقوق والحريات والحياة والتعايش والتسامح) سيكبر وهو قد طبع معها تطبيعا كاملا، ويظنها أمرا طبيعيا وشيئا يمكن التعايش معه ثم قبوله واعتناقه، ثم يتحول دون وعي ولا تخطيط إلى مسخ بلا هوية، تماما مثل الذي يقرأ مقالي هذا ويقول في نفسه وما المشكلة في ذلك؟!

وليست مشكلتي الكبرى مع وجود الشاذين والملحدين، فالعفن الفكري موجود حتى في الكائنات التي سبقت وجود آدم عليه السلام، وقوم لوط الذين قلب الله قريتهم وجعل عاليها سافلها كانوا في نظر أنفسهم حقوقيين يطالبون بالتمكين، ولو كان في عهدهم أمم متحدة ومنظمات حقوقية لتبنت مطالبهم دون تردد، وأصدرت بيانا شديد اللهجة تدين فيه دعاء لوط على قومه واستخدامه العنف المفرط في التعامل مع مطالبات حقوقية سلمية. المشكلة الأكبر هي التوجه «العالمي» لفرض «أسوأ ما أنتجه الإنسان من أفكار ليكون هو القاعدة وما عداه (شاذ)». وأن الدين ـ أي دين ـ ناقص وغير سوي ولا مستقيم ولا متسامح ما لم يتقبل هذه الأفكار إلى الحد الذي تكون فيه ضمن شعائره.

وعلى أي حال..

تعلمون ـ كما أعلم ـ أن هناك من سيعتبر هذا المقال أيقونة تخلف ورجعية، وأن هناك من سيصنف كاتبه بالتشدد وبأنه من بقايا الصحوة البائدة لمجرد أن في المقال إشارة إلى آيات قرآنية، لأن هناك من فهم الانفتاح والاعتدال على أنه الانحلال والتفسخ، وأن تقبل الآخر يعني أن يصبح الإنسان مسخا لا هوية له، وأن تكون المعايير الأخلاقية لدى الكائن البشري أقل بكثير حتى من تلك التي لدى بهائم الأنعام والكلاب الضالة. ولكني لست مهتما بتلك الاعتبارات وسأعترف بأني من الخلايا النائمة للإنسان.

agrni@