طارق جابر

العلاج الجراحي لمرض السكر

الخميس - 13 يونيو 2019

Thu - 13 Jun 2019

كنا قد بينا في المقال السابق أن النوع الثاني من مرض السكر هو النوع الأكثر شيوعا، وأنه ينتج عن وجود مقاومة لعمل الأنسولين، وليس عن نقص في الهرمون، كما أنه هو النوع الذي يصيب البالغين ويرتبط بالسمنة وزيادة الوزن عادة.

لاحظ العلماء منذ زمن العلاقة بين زيادة الوزن وهذا النوع من السكر، ولاحظوا أن نزول الوزن يساعد في تنظيم السكر ويسهل العلاج. ولكن وبما أن محاولات إنزال الوزن لم تكن تتكلل بالنجاح عادة، بل على العكس معدلات السمنة في زيادة مطردة، أدى ذلك إلى شيوع وتطور عمليات إنقاص الوزن للتغلب على السمنة ومضاعفاتها. فهل تمثل هذه العمليات أيضا حلا لمشكلة مرض السكر؟

البدايات كانت منذ قرن تقريبا عندما رصد العلماء تحسنا في مستويات السكر عند بعض المرضى الذين يخضعون لعمليات في المعدة والجهاز الهضمي. ومع ظهور عمليات السمنة الحديثة في منتصف القرن العشرين لاحظ العلماء تحسنا ملحوظا عند مرضى السكر الذين يجرون هذا النوع من العمليات، وتم افتراض أن هذا التحسن هو النتيجة المتوقعة لنزول الوزن.

لكن مع تطور عمليات تغير المسار اكتشف العلماء أن التحسن الملحوظ في مستويات السكر في الدم وفي جرعات الدواء يبدأ حتى قبل نزول الوزن، مما يدل على أن الأمر ليس بالبساطة الظاهرة، وإنما هو نتيجة آليات أخرى، ومن هنا تتالت الأبحاث والدراسات منذ بداية القرن الـ 21 لمعرفة هذه الآليات ولتحديد من هم المرضى الذين سيستفيدون من هذا النوع من العمليات، وتغير اسم هذا النوع من الجراحات من جراحات إنقاص الوزن إلى جراحات السمنة والاستقلاب أو الأيض، أي الجراحات المعنية بتحسين عمل أنظمة الجسم المعنية بتحويل الغذاء إلى طاقة وباستخدام وتخزين هذه الطاقة.

وسأورد هنا خلاصة هذه الأبحاث:

أولا: عمليات إنقاص الوزن خيار جيد لعلاج مرض السكر من النوع الثاني المصحوب بسمنة، ويمكن إجراؤها بنسبة خطورة متدنية ومقبولة، وجدواها الاقتصادية عالية مقارنة بالعلاج بالأدوية.

ثانيا: تغيرت ضوابط إجراء هذا النوع من العمليات، فأصبح بالإمكان اعتبارها خيارا حتى لمرضى الدرجة الأولى من السمنة.

ثالثا: عمليات السمنة، خاصة عمليات تغيير المسار لا تعمل فقط عن طريق إنقاص الوزن، بل لاحظ الباحثون زيادة في إفراز الأنسولين وزيادة في استجابة خلايا الجسم له، كما أن هنالك تغيرا في بكتيريا الأمعاء وتنظيما للأملاح والأحماض الصفراوية، إضافة إلى تغيرات هرمونية بعضها لا يزال غير مفهوم تماما.

رابعا: هذه المعطيات تنطبق على مرضى النوع الثاني من السكر، وليس على مرضى النوع الأول، وحتى بين مرضى النوع الثاني هناك اختلاف في مدى الاستجابة، أرجعه العلماء إلى عوامل عدة، منها طول فترة الإصابة بالمرض، وجودة التحكم بمعدل السكر التراكمي، وغيرهما.

خامسا: كل عمليات إنقاص الوزن تؤدي إلى تحسن ملحوظ في معدلات السكر وجرعات العلاج، إلا أن أفضل النتائج تحققت مع عمليات تغيير المسار.

سادسا: نسبة الشفاء التام مع بعض العمليات بلغت أكثر من 80%، ونسبة التحسن أكثر من 95%، إلا أن الدراسات طويلة الأمد أشارت إلى أن هناك نسبة من المرضى قد تتراجع عندهم النتائج قليلا مع مرور الوقت.

في المستقبل البعيد قد لا تكون الجراحة هي الأمل المنشود للقضاء على مرض السكر إلا أن كل المؤشرات تشير إلى أنه خيار ممتاز في وقتنا الحاضر.

drtjteam@