عدنان المعتوق

خطيئتك وشجاعتك

الاثنين - 10 يونيو 2019

Mon - 10 Jun 2019

حينما تجد نفسك أعزل في مواجهة ذاتك لا تهرب منها أبدا. أن تكون إنسانا، أي أن تقف هذا الموقف لأنه شرط وجودك. ولكن لا يعلم بهذا الموقف إلا من هو واع بذاته ومدرك لتصرفاته. حينما يقاسي الإنسان رحلة السؤال، والتي من خلالها يجيب عن: من هو؟ وما هي حدوده؟ وأين يجب أن يتجه؟ ثم يصل بسفينته إلى شطآن الأجوبة ويستقر هناك، يكون قد حكم على نفسه بالمسؤولية وتحمل أمانة الجواب الذي بلغت به ذاته. هناك يجد قيم الحياة التي صاغها لنفسه، إذ إن القيم والمبادئ ليست أمرا يجده الإنسان في ذاته. أعني أن كثيرا من القيم التي يعتنقها الناس هي من صنع الآباء والأجداد. فالمولود في بلدة الإسلام يصبح مسلما والآخر يصبح نصرانيا أو وثنيا وكل بحسب مكانه.

نعم، يولد الناس على الفطرة، ولكنها تدفن في تربة الجهل والشهوات. إن لم تقم على حراثة ذاتك فستتوارى قيم الفطرة فيك تحت الأتربة. أما أن تصوغ قيمك ومبادئك في الحياة فيعني أن تسلك الطريق الوعر: عناء السؤال، وثقل الإجابة، وتحمل المسؤولية /‏ الأمانة. وهناك ستقف مع ذاتك كثيرا ووحيدا.

من هذه المواقف ما يكون محكوما بحب الفضول وحب الاكتشاف، ومنها ما يكون فيه الإنسان منصتا أو متنصتا لرسائل المعنى من حوله. فالورقة التي تسقط أمام عينيك رسالة، وتغريد الطائر في لحظات احتضاره رسالة، وابتسامة الشقي رسالة، ودهشة الطفل رسالة، وقتل الفريسة رسالة، وإطعامها للجائعين رسالة. إن عجزت عن قراءة الرسائل، ففتش عن مبادئك لترى ما هو من صنعك وما هو من صنع آبائك وأجدادك.

ثم إن كنت أنت الذي قاسيت رحلة الوجود وعرفت من أنت، ثم فشلت يوما ما في موقفك، فقف أمام ذاتك ولا تنسحب مهما كلفك الموقف، إذ إن الوقوف أمام الذات لا هزيمة فيه. وانتبه إلى قولي، فإن الهزيمة ممتنعة، ولكن الوجع حقيقة يجب أن تكابده، إذ إن الوجع هو نتيجة فشلك في الإمساك بالأمانة. ولا ينجي نفسك من نفسك إلا الصدق. صدق الفيلسوف! ولنتذكر أن الحياة واقعة بين المناورة والمفاوضة وشعرة معاوية هي «إلا وسعها». فإذا ما ألقت عليك نفسك سؤال القيم والمبادئ، قد تنجوا بجواب تحمله بين جنبيك وتعتذر به إلى ذاتك. وإن كنت لا تملك جوابا ولا عذرا، فيكفيك الاعتراف والانكسار في محراب الذات، ويكفيك ذلك. أما إذا كنت لا تعاني من كل هذا فاعلم أنه لا رحلة لك. ومن نسي الله نسي نفسه.

الأكثر قراءة