سالم الكتبي

ابن جاسم ..صندوق المؤامرات الأسود

الاثنين - 10 يونيو 2019

Mon - 10 Jun 2019

كلما تحدث رئيس الوزراء القطري الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، في الشأن الإقليمي، يتعمد إثارة حالة من الجدل بسبب آرائه المعادية للدول المقاطعة لقطر، ونكتشف حدود مأزق النظام القطري!

وفي حديث أجراه مع صحيفة «تلغراف» البريطانية مؤخرا، ارتدى ابن جاسم، كعادته، ثوب «الحكمة» المزعوم وسعى إلى تقديم «النصائح» لدول الجوار! وهذه «النصائح» ليست سوى محاولات واهية لتبرير مؤامرات قطر وتآمرها على جوارها الخليجي في السعودية والإمارات، وفي ذلك يقول على سبيل المثال «دعني أقول لكم أمرا، إذا أعلنا أن إيران عدونا والممر الوحيد لنا إلى العالم، سواء بحرا أو جوا أو برا هو إيران، لأن الحدود مع الدول العربية المحيطة التي من المفترض أن تكون كأعضاء الاتحاد الأوروبي مع بعضها البعض وتتضامن معنا، هل أنتحر حينها عبر عدم التعامل مع إيران لأن السعوديين يقولون لنا ألا نفعل ذلك؟».

هذا الكلام ظاهره منطقي ولكن باطنه خال تماما من أي منطق، بل ويطرح تساؤلات عدة، أولها: من فرض على قطر أن تكون إيران بوابتها الوحيدة للعالم، برا أو بحرا أو جوا، كما يزعم ابن جاسم؟ أليست سياسات نظام الحمدين هي من أغلقت الأبواب والحدود في وجه القطريين ودفعت بدول المقاطعة إلى اتخاذ إجراءات لحماية شعوبها من مؤامرات النظام القطري المتواصلة؟ ثم من طالب قطر بأن تعلن أن إيران عدو لها؟ ومن قال إن دول مجلس التعاون جميعها لا تسعى للسلام مع إيران؟ وهل المشكلة، كما يراها ابن جاسم تكمن في عدم سعي السعودية والإمارات للسلام مع إيران؟ فعلى سبيل المثال: ماذا عن دعوات التسوية السياسية المتكررة التي تطلقها دولة الإمارات وتناشد فيها إيران قبول دعوات الحوار المباشر لتسوية إحدى أهم القضايا الخلافية، والمتمثلة في الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث؟ ثم لماذا لم تبذل قطر أي جهد دبلوماسي، بحكم ما تزعم من حكمة ورؤية عقلانية للأمور، لإقناع النظام الإيراني بقبول الدعوات الإماراتية المتكررة والعمل على تسوية قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة إثباتا لحسن نوايا إيران ورغبتها في علاقات طبيعية مع جيرانها؟! وكيف يمكن فهم تدخلات قطر ووساطاتها في كل القضايا والملفات عدا مسألة تنقية الأجواء بين إيران وجيرانها؟ ألا يفهم ذلك على أنه مصلحة قطرية ورغبة في تصاعد التوتر والانفراد بامتلاك علاقات خاصة مع إيران من دون بقية الجيران الخليجيين؟! فلينعم الجانبان بهذه العلاقات، ولكن على ابن جاسم أن يكون شجاعا ويتفوه بالحقائق التي يقبلها العقل ولا يمكن إخفاؤها في زمن بات من الصعب فيه إخفاء معلومة ما!

يقول ابن جاسم «إذا كنا نسعى للسلام مع إسرائيل لماذا لا نسعى أيضا للسلام مع إيران؟ لماذا لا نجلس مع الطرفين ونسوي مشاكلنا؟»، حسنا هذا كلام ظاهره العقل، ولكن باطنه يشير إلى استخفاف عميق بالأمور واستهتار واستخفاف بالعقول، إذ إن المناشدات الخليجية والعربية والإسلامية لإيران بالكف عن إثارة الفوضى ونشر الاضطرابات في الإقليم لا تنتهي، ومع ذلك لا تجد أي استجابة من النظام الإيراني سوى ترديد الشعارات القديمة نفسها والاكتفاء بالكلام دون أي خطوة جادة في اتجاه تنقية الأجواء وإزالة التوتر الذي تسببت فيه إيران نفسها بانتهاكاتها وسلوكياتها التي تنتهك القوانين والأعراف والمبادئ المستقرة في العلاقات الدولية!

لماذا لم يشرح لنا ابن جاسم كيف السبيل للجلوس مع النظام الإيراني وتسوية المشاكل كما يقول؟ وكيف يمكن جلب هذا النظام إلى مائدة تفاوض يمكن أن تخرج بنتائج تحقق الاستقرار في الخليج العربي؟ ألا يتابع ما يدور بين إيران والعالم من جدل وتوترات وكيف يتعامل النظام الإيراني بغطرسة ويتجاهل تماما التزاماته ومسؤولياته التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة؟

الحقيقة أن ابن جاسم يذهب دائما في كل حوار إلى أبعد نقطة في تعميق هوة الخلاف بين بلاده ودول المقاطعة، ولا يترك أي مجال للعودة، حيث ينزلق بسهولة واضحة إلى استعداء العالم على دول المقاطعة، زاعما أن قطر لا تعرف طبيعة الاتهامات التي توجهها دول المقاطعة إليها، في حين يشير إلى أن «19 إرهابيا الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر بينهم 15 سعوديا وإماراتيان ومصري ولبناني»، ويتساءل بخبث شديد «هل يجب أن أقول إنهم كانوا مدعومين من حكومات السعودية والإمارات ومصر؟ كما أن السفارة السعودية في واشنطن قامت بتحويلات بنكية لحسابات هؤلاء الأشخاص».

ولم يتوقف ابن جاسم عند استدعاء اعتداءات 11 سبتمبر، بل مضى قائلا «كم عدد المقاتلين السعوديين في صفوف داعش؟ إن معظمهم من السعودية»، هنا يبدو الحقد والتآمر واضحين، حيث يردد معلومات مغلوطة تماما، ويريد أن يصدر فكرة معينة للرأي العام الغربي من خلال الربط بين اعتداءات 11 سبتمبر وتنظيم «داعش» في محاولة لتكريس اتهامه المزعوم للمملكة الشقيقة بالتورط في الإرهاب!

لقد تجاوز ابن جاسم، كعادته، حدود الخلاف بين قطر ودول المقاطعة، ويسعى لتأليب الغرب ضد سياسات المملكة العربية السعودية الشقيقة، في محاولة فاشلة منه للضغط على قادة المملكة من أجل التراجع عن المقاطعة، والتي تشير كل كلمة في هذا الحوار إلى أنها تؤلم نظام الحمدين وأذنابه، إذ إن استدعاء ابن جاسم لواجهة الأحداث إعلاميا يشير دائما إلى نفاد ذخيرة الآلة الإعلامية القطرية، وفشلها في تحقيق أهداف النظام الذي يستعين عادة بصندوق المؤامرات الأسود؛ حمد بن جاسم الذي يهوى الإعلام والكاميرات، ولكنه لا يحضر أمامها سوى بتعليمات محددة في توقيتات محددة لإنقاذ النظام.

salemalketbiar@