هبة قاضي

العالم في مكة

الجمعة - 31 مايو 2019

Fri - 31 May 2019

خرجت البارحة عصرا في مكة لقضاء بعض الحوائج. وحين محاولتنا العودة للمنزل وجدنا الطرق المؤدية إليه جميعها مغلقة، وعليه فقد اضطررنا لاتخاذ طريق أخرى بضعف المسافة للوصول أخيرا. ردة الفعل المعتادة في مثل هذا الموقف هي السخط والتذمر والتشكي بسبب الوقت المضاعف، ولكن الحقيقة هي أنني كنت مبتسمة بل سعيدة، وأخذت الموضوع بكل رحابة صدر، بل إنني كلما اشتكى أحد صبرته وغيرت وجهة نظره تماما. نعم فأنا أشعر بالفخر، وأشعر بالاعتزاز وأشعر بأن مكة كلها مزدانة ومبتهجة في هذا الشهر بسكانها ومعتمريها وأيضا هذا العام بضيوف القمم العالمية الثلاث، الإسلامية والعربية والخليجية في رحابها الطاهرة. منذ أن بدأت العمل في مجال تصميم الأفكار والمحتوى وتقديم الاستشارات التطويرية ومنها الفعاليات وأنا أردد للعملاء من الجهات الرسمية أو الخاصة في مكة بأنهم لا يدركون حجم الفرص غير المستثمرة والاحتمالات العالمية التي بانتظار التفعيل.

وحين جاءت رؤية 2030 بدأت الجهات بالإدراك، ولكن ما زال هناك حاجز من الرهبة، وربما اعتيادية المكان والجوار تجعلنا أحيانا نفقد الإحساس بمدى أهميتنا وقدرتنا على التأثير والريادة.

أذكر إحدى الجهات الرسمية القوية التي عملت معها من أجل تصميم فعالية في مكة، وحينها صممت لهم أفكارا عالمية تعتمد على ترسيخ الحرمين الشريفين كمنارة روحية، وفكرية وتطويرية من خلال فعالية على مستوى عالمي تتم فيها دعوة شخصيات من جميع أنحاء العالم إليها، أسوة بالقمم الإسلامية والفكرية التي تقام في الولايات المتحدة وفرنسا، وتتم دعوة مفكرينا، وكتابنا ومشايخنا إليها.

كانت الفكرة هي أن العالمين العربي والإسلامي بحاجة إلى قيادة فكرية، فالمتغيرات كثيرة والخطاب الديني التقليدي المعتاد يحتاج للمواكبة والتطوير. وهل هناك مكان أفضل من الحرمين الشريفين لانطلاق هذه المبادرات وريادة هذا الحراك التطويري من خلال التعاون والتمازج والتعاضد؟

الفعاليات كالملتقيات والقمم والمنتديات هي حراك إنساني فكري تتقابل فيه العقول، وتزدهر الأفكار وتصنع التحالفات. والدول المتقدمة تتنافس وتجتهد لابتكار الفعاليات التي تخدم مصالحها المحلية وتقوي تحالفاتها وشراكاتها في ظل تطور العالم نحو فكر العولمة والاقتصاد التشاركي. وتتبع الكثير من المدن والدول حول العالم سياسة إقامة الفعاليات النوعية ذات المحتوى المبتكر والتقادمي للتسويق لها وصنع مكانتها وثقلها. ومكة المكرمة شرفها الله ببيته الحرام لتكون مهوى الأفئدة، وجعل الحج إليها شعيرة وركنا، في سنة كونية ترددية تضمن الاستمرارية الوجودية على مر الزمان، وتضمن التنوع والتمازج الفكري ما بين الأمم المختلفة ليحصل الازدهار الفكري والاقتصادي كما في الدول المتقدمة.

والإسلام دين العلم والعمل والتطور الإنساني. وإن المقصد الإلهي من كل ممارسة روحانية لا بد أن يكون له انعكاس أرضي، إنساني، إعجازي.

وإن إقامة هذه القمم في رحابها الطاهرة لهي خطوة استراتيجية جبارة في سبيل تفعيل مكانتها وقوتها لخدمة بلادنا وخدمة الأمة الإسلامية جمعاء، ولتكون باكورة لمزيد من الفعاليات في جميع مجالات العلم والعمل والفكر. فبارك الله الجهد والمبادرة. ووفق قادتنا وولاة أمرنا لقيادة العزة والتمكين والريادة لخير أمة أخرجت للناس.

HebaKadi@