مرزوق تنباك

لم يروا النبي ولم يشهد لهم بشيء

الثلاثاء - 28 مايو 2019

Tue - 28 May 2019

بعد مقالي الأسبوع قبل الماضي عن إعلام الموقعين عن رب العالمين اتصل صديق لا أعرفه، اسمه أبو البراء كما ذكر، سألني سؤالا مباشرا قد سمعته كثيرا من أمثاله (على أي مذهب ورأي أنت عندما تكتب عن ابن القيم وتنتقده؟). أحببت أن أخفف غلواء صوته وحشرجته وأمزح معه فقلت: أنا من العامة والعامة مذهبهم مذهب السلطان ورأيهم رأيه، لكن أنت من تريدني أن أتبع من أهل المذاهب والآراء؟ وكم عدد الذين لهم رأي ومذهب وأتباع؟ هدأ أبو البراء بعض الشيء، وقال: تعرف من تتبع من المذاهب، فقلت زدني علما فقد لا تكون معرفتي كافية، فأخبرني أن أتبع أهل السنة والجماعة، ومن أئمتهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، فقلت هل كل المسلمين يرون رأي هؤلاء الأربعة ويتبعون مذاهبهم؟ فقال عفا الله عنه: غيرهم أهل البدع، فإياك إياك، وقال فيهم ما نسمع بعض أئمة المساجد يرددونه كل جمعة على المنابر.

فقلت: أخبرني بأسماء أئمتهم الذين يأخذون بآرائهم ويتبعون مذاهبهم، وإن لم تفعل فسيكون ذنبي بعنقك إن أخذت بآراء المبتدعة أو اتبعت مذهبهم، فقال: الاثنا عشرية ويتبعون رأي جعفر الصادق ومذهبه، والإسماعيلية ويأخذون برأيي إسماعيل المبارك ويتبعون مذهبه، والزيدية ويأخذون برأيي زيد بن علي بن الحسين ويتبعون مذهبه.

وسألت أبا البراء هل بقي أحد من أهل السنة والمبتدعة له رأي ومذهب غير من ذكرت؟ سكت قليلا ثم قال: ليس هناك غيرهم، فقلت: ما رأيك لو زدتك واحدا أعرف أنه لا يشذ عن واسع علمك بأهل السنة والمبتدعة، ولكن قد يكون النسيان هو السبب، فأنصت قليلا ثم قال: هات ما عندك، فذكرت عبدالله بن إباض ورأيه ومذهبه وأتباعه، سكت قليلا وكأنه لم يسمع به من قبل، ولأن أشباه أبي البراء يجيدون التنابز بالألقاب الذي نهى عنه القرآن ذكرت ما ينبزون به عند أهل السنة وأهل البدع، فشهق وقال: عرفتهم هؤلاء أشباهك، ويبدو أن مزاج أبي البراء تغير قليلا بعد أن استدركت على واسع علمه ما استدركت.

قلت: هؤلاء ثمانية لهم آراء ومذاهب وأتباع، فهل رأى أحد منهم النبي أو سأله عما يقول ويفعل في مذهبه؟ وهل مدح النبي أحدا منهم أو شهد له بالصلاح والفلاح؟ فاهتبل أبو البراء جهلي بهم وعدم علمي بتاريخ حياتهم، وأخبرني أن أقدم واحد منهم جاء بعد وفاة النبي بمئة عام، فلم يروا النبي ولم يشهد لهم بشيء.

بعد هذا الحوار أصبحنا صديقين، فقلت: ما رأيك يا أبا البراء أن نتبع رأي رجل ونأخذ بمذهبه وقد رأى النبي وسأله عما يعمل لدينه وما كلفه الله به، فعلمه النبي وأمره وبشره وأيده ووصف مذهبه بالفلاح حين أقسم ألا يزيد عما سمع من النبي شيئا ولا ينقص عنه شيئا، دعنا يا أبا البراء نأخذ برأيه ومذهبه، عن طلحة بن عبيدالله: أن أعرابيا ثائر الرأس جاء إلى النبي، فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة، قال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا، قال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام، قال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا، قال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة، قال: فأخبره شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص شيئا، فقال الرسول: أفلح إن صدق، أو قال: دخل الجنة إن صدق.

أرأيت يا أبا البراء مذهبا أسهل من مذهب هذا الأعرابي وأقرب منه إلى الفطرة وروح الإسلام وغاية العبادة، والذي علمه النبي وزكاه وشهد له بالفلاح، والجنة التي هي غاية أهل السنة وأهل البدع على رأيك أيضا، ومذهبه لا يحتاج تفسيرا وتحريرا ولا جدلا حوله ولا اختلافا عليه، ولا إنكارا لشيء مما جاء به، فإن كنت تريد الجنة مباشرة فعليك بمذهب الأعرابي وسمه مذهب المفلحين بشهادة سيد النبيين وخاتم المرسلين، وإن كنت تريد الجنة بعد أن تمر بالسلطان والجاه والمال والأتباع والرعاع وتقاتل المخالفين وتحاربهم وتنكر عليهم وتبدعهم وتغضب لرأيك وتحتج لمذهبك، تنصر طائفة على أخرى وتعلن الولاء لمذهب والبراء من آخر، فعليك باتباع واحد من الثمانية الذين لم يروا النبي ولم يشهد لهم بشيء.

Mtenback@