حذامي محجوب

تعليم الفلسفة.. ضرورة لتحصين الشباب

الثلاثاء - 28 مايو 2019

Tue - 28 May 2019

يعيش الأطفال والشباب اليوم موجة كبيرة من التلقين، وهذا التلقين فيه ما هو عادي وهو ما يقوم به المربون والمعلمون وكل المؤسسات الدراسية التي تمر بها الناشئة، وهنالك التلقين الأخطر الذي تضطلع به صفحات مشبوهة من صفحات التواصل الاجتماعي، والتي يديرها المتطرفون عرقيا أو دينيا، وكذلك بعض وسائل الإعلام الموالية لهم، هذا هو التلقين الذي كان ضحيته خلال هذه السنوات الماضية الأطفال والشباب، ولا يخفى على أحد أن هذه الفئة العمرية تواجه اليوم صعوبات عديدة في فهم العالم الذي يحيط بها، لأن هذا التلقين قد جعل نظرهم منحصرا في الحواسيب والشاشات، إنها سجون معاصرة لأنهم يرون العالم من خلالها وحين يلتقون يتحدثون مع بعضهم عما شاهدوه من خلالها، وكأن العالم الافتراضي لم يلق بظلاله فقط على الواقع، وإنما قد احتل مكانه في النفوس أيضا.

يبدو أن هذا الأمر خطير بالنسبة للشباب، فهم يعيشون في عصر مغرق بالأحداث التي تتدافع دفعا وتحاصرهم الصور أينما ولوا وجوههم.

لذلك لا بد من تعليم الفلسفة للأطفال والشباب، فهي السبيل الوحيد لتحرير عقولهم وتدريبهم على التفكير بأنفسهم وتمكينهم من تنقية المعلومات المسلطة على عقولهم. إن الفلسفة بوصفها تنقل الإنسان من سن ما قبل الرشد إلى سن الرشد بتعليمه التفكير الحر، هي الاختصاص الوحيد الذي يمكن أن يقي الأطفال والشباب من التشدد والتطرف ويحميه ويحصنه ضد كل من يدعي السياسة والدين، وتجنبه خطر الوقوع في شبكات الإرهاب الديني والطائفي وتصقل مواهبه وتشحن ثقته بنفسه وتجعله يتجاوز الأفكار الشائعة وينفر من جميع أشكال العنف ويلجأ إلى الحوار المتمدن.

كما أن المهارات المكتسبة من التدرب على التفكير تنمي مهارات الاستماع لديه وتمكنه من فهم وجهات نظر مختلفة وقبول مواقف متباينة من خلفيات ثقافية مختلفة دون تحمس لواحدة ضد أخرى، فضلا على أن الفلسفة بما تحمله من تاريخ غني بالمفاهيم والبراهين والأفكار المختلفة والمتعددة تمكن الأطفال والشباب من التفكير في جوهر الحياة والإمكانات المتعددة لعيشها، بحيث تتسع الرؤى وتنفجر الطاقات لديهم. فنحن نعيش في عالم شديد التعقيد، تتعاقب فيه المحن وتتوالى فيه المصائب، مما يرعب فئة كبيرة من الشباب وحتى الأطفال في بعض الأحيان، لذلك لا بد من فلسفة لاستيعاب هذا الواقع، وذلك يتطلب صلابة ذهنية ووضوحا في التفكير لا يحصلان إلا بتعلم الفلسفة التي تتجاوز النظريات التي تنفي الحياة إلى إثبات الحياة وتعظيمها والاحتفال بها، فينصرف الشباب إلى الإبداع والعمل وبناء أوطانهم ويبتعدون عن العنف والتطرف.