محي عبدالله القرني

صورة تحرق أسرة

الاحد - 26 مايو 2019

Sun - 26 May 2019

من المفارقات العجيبة في مجتمع حضن القلم وضم الحرف وتغنى وهام بالكلمة انتشار أسواق الجهل ووفرة باعة الفوارغ. كان الهدف عند إشعال الشمع طرد فلول الظلام وتمزيق رداء السواد لينمو جذر الأمل القوي من داخل رحم حبة الضعف المتوارية تحت جناح الليل لإعمار الغد بعزم.

وضعت التقنية الحديثة من أجل خدمة جيل وتنوير شعوب، بسرعة الإنجاز وبجودة الإتقان، وربط الثقافات المتعددة والإطلال على الآخر من نوافذ متعددة بهدف تحريك آلة العقل لسبر أغوارها ودفع عجلة التقدم التكنولوجي إلى فضاءات الاختراع والاكتشاف تحت شغف البحث العلمي.

تغيرت المفاهيم وانحدر الوعي وزاد الاهتمام بالقشور أكثر من البحث عن اللب الهادف، وأصبحت شمعة الأمس عملة تشترى بها اليوم قلائد الحسد وعناقيد الشرور وتعليقها على جيد البيت الهنيء لإحراقه.

وفي الأثر «لوكان الفقر رجلا لقتلته» وعلى الوزن تستنتج الحكم، حيث أقول لو كان الجهل رجلا لسجنته.

دائرة العمى اتسعت والسير في الحفر أصبح مألوفا والعزف على آلة الناي لتجميع القطيع وإحداث الضجيج هدف مقصود من أجل حجب صوت النصح الفطري المنغمس في أعماق الذات.

اخترقت أستار الأسر وتسللت العيون إلى ما خلف الأبواب المغلقة، وصدح مذياع الجهل المعلب بكشف المستور من خلال ومضة عدسة فخر مغلفة بحمق. الأفراح الخاصة والمناسبات العائلية والهدايا المتبادلة حتى غرف النوم ومناشف الاستحمام أصبحت معلقة في حالات هوس الواتس اب ومفروشة على أرضية السناب، أطلقت السذاجة طائر الأسرار من أقفاص البيوت، ونحر سيف التقليد جسد الحياء على أعتاب الخصوصية. كان الشيطان يلاقي المصاعب في خلط القليل من الرياء على عمل الخير وفعل الإحسان، فتحاك الحيل زمنا قد يطول لإفساد الصلاح وتقليل الأجور.أما الآن فنتصدق تحت ومضة فلاش، ونعتمر تحت ظلال السناب، وندعو ونبتهل داخل تغريدة، ونأمر بمعروف وننهى عن منكر في بث مباشر على الانستقرام، حتى التعليم والتقويم والإرشاد داخل دور العلم انغمست في بحر التوثيق المبالغ فيه حتى صار الغريب من لا صور له.

اعتلى إبليس عرشه بعد أن أصبح الصعب لديه سهلا والمستحيل واقعا ولسان حاله يقول:

أنام ملء عيوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم

كانت العرب توقد نار القرى ليراها الضيف وعابر السبيل ليهتدي إليها ويستأنس بها، كشعار متعارف عليه للكرم المتأصل في الدم العربي منذ العصر الجاهلي. لكل زمن فلسفته الخاصة في طريقة الوصول إلى الكرم، ففي زمن امتداد السفر وتنوع المعروض نجد أن من علامات الوفاء والكمال تركيز البث الإعلامي قبل وأثناء وبعد كل حدث

مباهاة كاذبة ! ظاهرها فيه السعادة وباطنها الدين والعوز والإفلاس. عبارات تسحر القارئ وصور تأسر المتابع وتعليقات محملة بزبد القول مغطاة بمشاعر جوفاء لا تتعدى طرف اللسان ورأس القلم.

أصاب العيون رمد متابعة الغثاء، ولجت الأسماع جعجعة هذا الهراء، فيا ليت شعري هل لهذا الطوفان نهاية أو على الأقل تخفيف؟

تاهت النفوس المتعبة ما بين دور الرقية الشرعية وعيادات الطب النفسي، ومعاول الهدم التي بأيدينا تتجدد وتنفث سمومها على الجسد قبل الإضرار بالغير.

موسم رمضان لا يحتمل تعليق كرمك على حائط العيون ولا نشر مساعداتك في أودية الضياع.

كتبت هذا المقال ولست بمعزل عما سبق، فالسفينة واحدة والبحر يهيج والأمواج عاتية، وقوائم النصح لنفسي أولا ثم لأحبابي ولكل من استحسن جمال بنات أفكار العزلة.

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.