علي الغامدي

كن كبائع الورد

الجمعة - 24 مايو 2019

Fri - 24 May 2019

قضيت في الابتعاث حوالي سبع سنوات درست فيها في ثلاث جامعات وعشت في ثلاث مدن ودولتين. كانت سنوات الغربة مكتظة بالتجارب الجديدة ومزدحمة بالأحداث الغريبة، وبما أني تعودت الكتابة منذ صغري كنت أحتفظ بدفاتر أدون فيها تجاربي وأكتب فيها آرائي ومشاعري في تلك اللحظات.

وكنت أتعمد أن أكتبها بخط غير واضح حتى لا يطلع عليها غيري ويكشف خبايا أفكاري التي تثير الغرابة. ومن أفضل الوسائل للتعرف على تغير أفكارك خلال مرور السنوات هي أن تطلع على كتاباتك القديمة.

جلست وحيدا في الأيام الماضية وبدأت أشعر بالحنين لتلك الأيام وقررت أن أقلب في مدوناتي فوجدت مقالا عن تجربة قضيتها مع بائع الورد.

كنت في جولة استرخاء في أجواء ربيعية في وسط المدينة أنا وزوجتي ودخلنا محلا لبيع الورود. كان البائع أبيض الشعر وكأنه في السبعينات من عمره. عندما شاهدنا قال بابتسامة أبوية فيها نوع من المكر (لا بد أنكما عاشقان). ابتسمنا لملاطفته لنا وعند تقدمنا لداخل المحل شعرنا وكأننا تعرضنا لطاقة غريبة من هذا المكان ساحر.

شعرت أني في الجنة، برودة المكان المنعشة ورائحة التربة المبتلة وروائح الورود المختلطة جعلت المكان تفوح منه أنفاس منعشة. عدت ونظرت إلى ملامحه المرتوية وقلت لا غرابة في أن السنين لم تنجح في نحت التجاعيد على ملامحه. فهو محاط بهذه الورود والروائح الزكية ويتعامل كل يوم مع العشاق المتحابين المتهادين، والمشاعر معدية.

تذكرت دراسة قديمة للعالم الفيزيائي (كليف باكستر) في بدايات القرن الماضي، حيث ادعى أن هناك طاقة على شكل موجات تخرج من النباتات باتجاه أجسادنا وكأنها تتحدث إلينا، وسخر منه العلماء لعدم استطاعته إثبات ذلك وأطلقوا على كل نظرية لا يمكن إثباتها (كذبة باكستر). بعد عقود عدة انتصر هذا العالم وبعد أن استطاع (فريتز ألبرت بوب) قياس ذبذبات منخفضة المستوى تخرج من النباتات وتدخل كل جسم قريب منها، وقد يكون هذا سبب ارتياحنا عند الاقتراب من النباتات والعيش في المناطق الخضراء، والعكس صحيح تماما، فمن يتعامل مع الأدوات الحادة أو الزبائن والمراجعين الغاضبين لا بد أن يشعر بالتوتر والضغط بسبب الحذر الدائم، مما يؤثر سلبا على حياته إن لم يجد التعامل مع هذه الظروف.

أغلقت المدونة وعدت لممارسة حياتي اليومية. فوجئت بسؤال من أحد طلابي بعد عدة أيام يسألني: دكتور كيف أتخلص من الضغط الاجتماعي والتوتر في حياتي؟ فقلت: «كن كبائع الورد» أحط نفسك بالورود وتعامل مع العشاق والمحبين وابتعد عن الأدوات (الناس) الحادة التي قد تؤذيك في أي لحظة.

@AliGhamdi2