عدنان المعتوق

تجربة الابتعاث

الخميس - 23 مايو 2019

Thu - 23 May 2019

واجب علي كمبتعث أن أصف للأصدقاء وللوطن ما أؤمن به تجاه هذه التجربة التعليمية في أمريكا. وكيف أنها قفزت بفكري وفهمي من كوكب لكوكب. الكوكب الأول هو وطني السعودية. والكوكب الثاني هو بلد الابتعاث. هذه التجربة مفعمة بمشاعر كثيرة بين الغربة والحنين والمرح والفرح والإنجاز. ولكن الشعور الوحيد والإحساس العميق الذي سطر تجربة الابتعاث هو شعور الوفاء. نعم، الوفاء للملك الراحل عبدالله ثم ملك الحزم سلمان، ولطموح الشباب ونبراس الأمل ولي العهد محمد بن سلمان. هؤلاء القادة هم من جعلوا أمثالي من المبتعثين يعيشون حياة كريمة تزدهر فيها الأذهان وتنعم فيها الجوارح.

وأعظم تجاربي كمبتعث تكاد تتلخص في رحلتي الفكرية والعلمية. وفي كل لحظة أكون فيها متحدثا في مؤتمر أو جالسا في قاعة منصتا تبزغ فوقي شمس الفضائل، فضل الله ثم فضل حكومتي ومملكتي علي بأن جلست على طاولات العلم والمعرفة. تدفع رحلات الطيران والفنادق من الملحقية السعودية لكل طالب مبتعث فقط من أجل أن يجلس في قاعة علمية. بل أنظر لهذه المبالغ الفلكية التي تدفعها الوزارة في كل فصل دراسي للجامعة من أجل الطلاب، وتزيد هذه المبالغ كلما زادت مشاركة الطالب، فأقول للناس هنا من مبتعثين وأمريكيين: لولا الابتعاث الذي أهدته مملكتنا الكريمة لما درس أغلب المبتعثين كل هذا، ولما وجدناهم متحدثين في المؤتمرات أو يتناقشون على طاولات المعرفة.

ونعمنا بأجود أنواع العلاج من خلال التأمين الطبي الذي تقدمه الوزارة. وهنا أذكر قصة أحد الطلبة المبتعثين حينما أخذ زوجته للمستشفى حين رزقهما الله بمولودهما الأول، فاجأتهم الطبيبة قائلة: طفلكم يحتاج لعناية طبية مكثفة، وسيمكث في المستشفى مدة زمنية غير معلومة. انتهى بهم الأمر أن جلس الطفل وأمه في العناية الطبية 8 أشهر تقريبا. صحيح أنها كانت تجربة قاسية عليهم إلا أنه بفضل الله ثم بفضل حكومتنا تمت تغطية التكاليف كاملة وبلا اشتراطات. يقول لي صديقي المبتعث: حين خرجت زوجتي وطفلي من المستشفى بعافية تامة ولله الحمد، وصلتني فاتورتان، الأولى تحمل مبلغا أصغر من الفاتورة الثانية. ثم قال: كم تتخيل يا عدنان مبلغ الأولى ومبلغ الثانية؟ لا أذكر كم كانت توقعاتي، ولكنه صدمني حينما قال: الأولى 300 ألف والثانية 700 ألف. نعم أنت تقرأ الأرقام بالشكل الصحيح. التكلفة بلغت مليون دولار أمريكي.

تفكرت في هذه القصة كثيرا، وهي قصة طالب واحد فقط! وكيف لحكومتنا أن تبذل بهذا السخاء على طلابها. يلزمنا ديننا أن نحفظ المعروف وأن نكون أوفياء لوطننا وحكومتنا التي تتفانى في إكرام شعبها. أتساءل عجبا كيف لأعمال عظيمة كبرى كهذه أن تمر ولا يعرف عنها إلا شخصان أو ثلاثة؟! بينما تستمر حكومتنا في صنائع المعروف والفضل وهي صامتة. وتعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

وفي الجهة المقابلة، كيف لأقوام ينقبون بمجاهرهم عن السلبيات ليضخموها ولا يستخدمون عيونهم المجردة ليروا جبالا من المعروف والكرم؟

رسالتي تتلخص في هذا السؤال: ما هي هوية الإنسان إذا سقطت منه قيمة الوفاء؟ نحن أوفياء لقادتنا ووطننا ما دام فينا عرق ينبض.

أقول بلسان حال عشرات الألوف من المبتعثين: لولا الله ثم الملك عبدالله والملك سلمان لما حصلنا على درجة الدكتوراه، ولا ينكر هذا إلا حاقد أعمى. وجب قول هذا في زمن يعادينا فيه كثيرون. ووفاؤنا كمبتعثين أن نتحدث عن فضل الله علينا بهبات حكومتنا لنا. وردا على الأقلام المسيئة التي أحاطها السوء من كل مكان، بينما نحن نفيض وفاء لهذا الوطن الخالد والقيادة الكريمة .

ولأنني من أوائل المبتعثين الذين عاشوا تجربة الابتعاث في عهد الملك المرحوم عبدالله ثم تجربة الابتعاث في رؤية 2030 لمؤسسها الهمام الأمير محمد بن سلمان، رأيت المبتعثين في أنديتهم الطلابية بين الحب والفخر. فكانت مرحلة الملك عبدالله تفيض بمشاعر الحب، ولا أنسى حزنهم حينما غادرنا رحمه الله، حتى خالط هذا الحب مشاعر الفخر برؤية الأمير محمد بن سلمان، وحينما أتى في رحلته زائرا لأمريكا كنا نتابعه حتى شعرنا كما لو كنا معه مع فريقه المصاحب له. وهنا بولاية واشنطن طرنا فرحا حينما قدم إلى سياتل ومر بمنطقة بلفيوا لأن هذه المناطق نزورها دائما ونعيش فيها.

كان فخرنا أن الأمير محمد بن سلمان قد وقف على الأرض التي وقفنا عليها. يحمل راية الأمل للشباب وبوعده في تغيير الشرق الأوسط كله. ولا يفوتني بحكم اهتماماتي المعرفية والقضايا النسوية أنني كنت أعجب ولا زلت بالأميرة ريما بنت بندر بن عبدالعزيز وهي تتحدث عن قضايا النساء. وتفندها فكرة فكرة حتى أثلجت الصدور وأفحمت الجميع وألهمت البنات السعوديات بطرحها وذكائها وعلمها. وأقول في الختام: أدام الله علينا هذا الفضل وهذا الكرم وهذه القيادة.

AdnanAlmatouq@