محمد السالم

التذكير بالموت يؤدي إلى التعصب!

الاثنين - 20 مايو 2019

Mon - 20 May 2019

لماذا قد يكون مرور قاض بمقبرة وهو في طريقه إلى المحكمة عاملا يزيد قسوة حكمه على المتهم إلى تسعة أضعاف؟

أحيانا تكون سلوكياتنا معقدة وعند تحليلها ودراستها يتبين لنا وجود ترابطات غريبة ووجود محفزات لهذه التصرفات دون إدراكنا لها. من هذه الترابطات الغريبة أنه عند تذكير إنسان ما بموته، بشكل واضح أو عابر، يتصرف سريعا بشكل مختلف. نظرية إدارة الخوف Terror Management Theory هي من النظريات النفسية الحديثة نوعا ما، والتي تفسر لنا بعضا من تصرفات البشر خلال تذكيرهم بالموت، والتي عمل عليها توم وجيف وشيلدون سولومون.

اكتشفت هذه النظرية تغيرا رهيبا في سلوك وتوجه الإنسان عند تذكيره بموته كحركة دفاعية، نتيجة الخوف من حتمية موته وعدم قدرته على التنبؤ بوقت الموت. من هذه التصرفات والترابطات على سبيل المثال: عند تذكير إنسان بموته يميل إلى التشدد الديني أكثر، يتشدد قبليا وعرقيا، يقدس الشعارات، لا يكترث للطبيعة وتزيد احتمالية تشويهه لها، ينتخب رئيسا متعصبا لطائفته مهاجما للمغاير له، صرف أموال أكثر من المعتاد، وغيرها من الترابطات (سولومون وآخرون، وورم آت ذا كور عام 2015).

تم إثبات هذه النظرية في أكثر من مئتي دراسة تجريبية في دول ومجتمعات عدة مختلفة، وتبين للباحثين النتائج نفسها. إحدى طرق اختبار هذه النظرية تمرير كلمات سريعة تصل إلى أجزاء من الثانية في شاشة أمام مجموعتين من المشاركين في الدراسة، وتبين أنه عندما يزج ببعض الكلمات التي توحي بالموت حتى لو لم يدركها قارئها، يتجه سلوك المشاركين نحو التعصب لطائفتهم، ولونهم، والعدائية تجاه المختلفين عنهم، بينما المشاركون الذين لم تمرر لهم كلمات توحي بالموت يتصرفون بشكل طبيعي.

الإنسان بطبيعته يرفض في اللاشعور فكرة موته الحتمي وعدم القدرة على التنبؤ به، فعند تذكيره بالموت بأي شكل ينتج لديه قلق فيحاول تقويض هذا الفزع بتصرفات معينة، وأحيانا مبادرات توحي له بالخلود، كالاهتمام بتكثير النسل، وسرعة الحصول على أبناء أو عمل أي شيء يستمر لما بعد موته كإنشاء مسجد أو إصدار كتاب. مجرد تذكير عابر أو غير مستوعب عن الموت قد يغير مجرى تفكير إنسان بشكل ملاحظ.

برأيي أن شعارات الموت التي تملأ وسائل الإعلام قد تكون عاملا فاعلا في الاحتقان الاجتماعي. ومن المحتمل أن خبر موت أحدهم أو إعلان آلية قتالية جديدة اليوم يكون سببا في موجة التشدد والتعصب غدا. قد يكون الإعلام متهما بترويج قصص الموت وتذكير الناس بموتهم الحتمي ومن ثم تأجيج التعصب، ولكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون الإعلام مرآة الواقع ونقل الأحداث والوقائع كما هي.

ختاما، إحدى التجارب عن هذه النظرية في ولاية أريزونا تحت عنوان «الدليل على نظرية إدارة الإرهاب» نفذها جيف وآخرون عام 1989، درست الفروقات في الأحكام القضائية بين عدة قضاة في إحدى المحاكم، وتبين أن القضاة الذي يمرون بمقبرة في طريقهم للمحكمة تزيد قسوة أحكامهم بالمتوسط إلى تسعة أضعاف، مقارنة بأولئك الذين لم يمروا بمقبرة، بحكم اقتران المقابر بالموت الذي بدوره يؤثر على سلوك الإنسان.

ندعو الله أن يتجنب قضاتنا الطرق التي على أطرافها مقابر!

@Malsalem2