لماذا لا توجد طائرات نووية؟

الصواريخ الباليستية والإشعاعات أنهت الحلم الأمريكي قبل أن يولد
الصواريخ الباليستية والإشعاعات أنهت الحلم الأمريكي قبل أن يولد

السبت - 18 مايو 2019

Sat - 18 May 2019

طلبت بحرية الولايات المتحدة أخيرا مبلغ 139 مليار دولار من الكونجرس لتحديث أسطول غواصاتها التي تعمل بالطاقة النووية، فعلى عكس الغواصات «التقليدية»، التي تحتاج إلى السطوح بشكل متكرر، يمكن أن تغوص النووية تحت سطح البحر بسرعات عالية لعقود دون الحاجة للتزود بالوقود.

ويتوقع مخططو وزارة الدفاع أن تتمكن الغواصات الجديدة من السير طوال فترة تشغيلها بدفعة واحدة من الوقود، وتصل تلك الفترة إلى نحو نصف قرن، وذلك بحسب تقرير من مجلة ذي أتلانتك الأمريكية.

لكن السؤال المطروح: لماذا لا تعمل الطائرات بالطاقة النووية؟

الإجابة واضحة والأسباب كثيرة، فمن الصعب جعل مفاعل نووي صالح للطيران، وقد يكون من المستحيل حجب الطائرات عن بث الإشعاع الخطير إلى أجسام طاقمها.

فكرة وحلم

أثناء الحرب الباردة، وعندما أدى تهديد نهاية العالم النووية إلى خطط براغماتية بشكل مفاجئ، اقترح المهندسون حل المشكلة عن طريق توظيف طواقم سلاح الجو من كبار السن لتجريب الطائرات النووية الافتراضية، لأنهم سيموتون قبل أن يعرضهم الإشعاع لسرطان قاتل.

طرح الفيزيائي الأمريكي الإيطالي إنريكو فيرمي فكرة الطيران النووي منذ عام 1942، بينما كان يعمل في مشروع مانهاتن لبناء القنبلة الذرية، ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة العمل لتحقيق حلم فيرمي بالرحلة التي تعمل بالطاقة النووية.

من عام 1946 وحتى عام 1961، كانت فرق واسعة من المهندسين، والاستراتيجيين، والإداريين يعملون على المخططات، والأوراق البيضاء، والفواتير الخضراء، وذلك في محاولة لإخراج الفكرة على وجه الأرض.

أسرع من الصوت

تتطابق المزايا الافتراضية للطائرات النووية مع الغواصات النووية، إذ لم تكن الغواصات النووية بحاجة إلى السطح للحصول على الوقود، ولن تحتاج الطائرات النووية إلى الهبوط. وفي عام 1945 وعدت إدارة الحرب في وزارة الدفاع الأمريكية «أن الرحلات الأسرع من الصوت حول العالم ستكون خيارا متاحا على الفور بفضل الدفع النووي».

وأوضحت مذكرة سرية في لجنة الطاقة الذرية، عقدت في مكتبة آيزنهاور الرئاسية، ترتيب رحلة نووية قياسية، وقالت إن الطاقة النووية «يصل مداها إلى دورة أو أكثر حول الكرة الأرضية عند شحن المفاعل لمرة واحدة»، وبهذا تحولت فكرة قاذفة القنابل التي تعمل بالطاقة النووية إلى حلم استراتيجي للجيش، إذ يمكنها أن تظل في الهواء لأيام حتى تغطي أي عدد من الأهداف في أي ركن من العالم قبل أن تعود إلى الولايات المتحدة، دون الحاجة إلى التزود بالوقود.

إعادة التزود الوقود

إن مشكلة إعادة تزويد الطائرات بالوقود احتلت عددا من عقول الحرب الباردة، إذ تجاهد قاذفات القنابل للوصول إلى أهدافها، وقد لا تجد وقودا كافيا للعودة إلى أرض الوطن في حال سافرت بخزان وقود واحد، وتعلقت فوق أرض الأعداء.

وفر التزود بالوقود جوا حلا لتلك المعضلة، لكنه يظل حلا فقيرا، إذ إن الطائرات التي ترصد أثناء تزودها بالوقود جوا فوق أراضي العدو معرضة لنيران المدفعية المضادة للطائرات.

وستؤدي مناورات المراوغة إلى فصل الطائرتين والحيلولة دون نجاح عملية التزود بالوقود جوا؛ مما يعرض المهمة بأكملها للخطر. ولتقليل مخاطرإعادة التزود بالوقود جوا، اعتمدت الولايات المتحدة على شبكة عالمية من القواعد الجوية، تسمح هذه القواعد بأن تبلغ أهدافها وتعود بخزان وقود واحد، لكن إدارة تلك القواعد لها تكلفة باهظة ولا تحظى بشعبية كبيرة.

عرض مرفوض

في مرحلة ما، عرضت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ 100 مليون دولار لشراء جرينلاند من الدنمارك، واكتساب موقع استراتيجي جديد للقواعد، في النهاية قررت الدنمارك الإبقاء على جرينلاند، لكن الاقتراح يوضح المدى الذي يجب على الولايات المتحدة الذهاب إليه للتعويض عن المدى المحدود لطائراتها، يمكن للطائرة التي تعمل بالطاقة النووية تجنب كل هذه القضايا.

وجاءت الطاقة النووية بمشاكلها الخاصة، إذ يجب أن يكون المفاعل صغيرا بما يكفي ليتماشى مع الطائرة، سيولد حرارة أكبر من المفاعل القياسي، ويمكن للحرارة أن تتسبب في انصهار المفاعل والطائرة معه، وسقوط كتلة مشعة من المعادن السائلة باتجاه الأرض.

مشاكل تقنية

وأثبتت مشكلة حماية الطيارين من إشعاع المفاعل أنها أكثر صعوبة، إذ يحتاج المفاعل بحسب المجلة إلى طبقات سميكة وثقيلة من الدروع لحماية الطاقم من النشاط الإشعاعي. لكن الطائرة يجب أن تكون خفيفة الوزن للغاية حتى تتمكن من الإقلاع، فالدروع الواقية الملائمة لا تتوافق مع الطيران.

ومع ذلك، افترض المهندسون أن الوزن الذي يتم توفيره من عدم الحاجة إلى وقود قد يكون كافيا لتعويض المفاعل وتغطيته. أمضت الولايات المتحدة 16 عاما في هذه الفكرة، ولكن دون جدوى. تابع الاتحاد السوفيتي الدفع بالطائرات النووية أيضا، حيث واجه المشاكل نفسها.

وبحلول عام 1958 زعمت مقالة شهيرة، نشرتها مجلة أفييشن ويك الأمريكية وتضمنت معلومات مختلقة في مجملها، أن السوفيت يجرون تجاربهم على طائرة نووية فعالة، وسرعان ما أوصى الرئيس دوايت أيزنهاور بالهدوء وندد بالمقال الذي وصفه بالكاذب، وقال ممثل عن الاتحاد السوفيتي «لو نجحنا في تسيير طائرة تعمل بالطاقة الذرية سنكون فخورين للغاية بإنجازنا، وسنخبر العالم أجمع بأمره».

فشل ونهاية حلم

لم يتمكن أي من البرنامجين من التغلب على مشاكل الدروع والوزن، وعلاوة على ذلك، فإن تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في الخمسينات من القرن الماضي أضعف من حالة تطوير القاذفات التي تعمل بالطاقة النووية.

وأصبحت الطائرة النووية زائدة عن الحاجة من وجهة نظر عسكرية، لأن الصواريخ الباليستية جنبت الجيش مشاكل الطائرات النووية التي يقودها البشر، فالصواريخ الباليستية تنطلق إلى مهماتها في اتجاه واحد دون الحاجة إلى وقود أو طيارين أو دروع، واختفى تمويل المشروع في ظل غياب المبرر العسكري للطيران الذري.

وبدأت فكرة الطائرة النووية بالموت البطيء، وفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي، قلصت إدارة أيزنهاور ميزانية البرنامج، وخفضت نيكيتا خروتشوف التمويل عن المكافئ السوفيتي. وبحلول عام 1961، قام كلا البلدين بتفكيك مشاريعهما الخاصة بالطائرات التي تعمل بالطاقة النووية، وبدا أن مشروع الطيران الذري حكم عليه بالفشل.

محاولة أخيرة

في محاولة أخيرة لإبقاء الطائرة النووية على الطاولة، عد الاستراتيجيون العسكريون حلا جذريا، وهو تجنيد الطيارين الذين شارفوا على الموت، فوفقا لذلك الاقتراح ستستخدم القوات الجوية طواقم كبيرة في السن بما يكفي ليموت أفرادها نتيجة الأسباب الطبيعية قبل أن تبدأ الآثار الضارة للإشعاعات في الظهور، وبذلك تتجنب البحث عن حل لمشكلة الدروع.

وأوضح ليونارد وايس، خبير السياسة النووية، في مقال نشرته مجلة «نشرة علماء الذرة» أن الاقتراح يلغي ضرورة الدروع التي تحمي من الإشعاعات، ويخفف وزن الطائرة إلى حد قد يسمح للطائرة النووية بالتحليق.

إن صورة مجموعة من الطيارين المسنين المصابين بالإشعاع وهم يقومون بدوريات في سماء العالم، وعلى استعداد لإطلاق العنان لكارثة نووية، تعتمد على شكل من أشكال التمييز في العمر الذي ساد عند التخطيط لنهاية الحرب الباردة، وفي خطط الدفاع المدني من أجل البقاء على قيد الحياة في نهاية العالم النووي، حيث كان يتم دوما التضحية بالمسنين.

الخوف من كارثة

أوضح لي جو مارتن في قسم التاريخ وفلسفة العلوم في جامعة كامبردج أن هيرمان كان، الذي يزعم أنه ملهم فيلم دكتور سترينجلوف، أعد تصنيفا لاستخدامات الطعام في أعقاب كارثة نووية أظهر هذا التحيز العمري خلال الحرب الباردة.

تراوحت مقاييس التصنيف بين أغذية الدرجة الأولى «وهي الأغذية عالية الجودة والمخصصة للنساء الحوامل» وأغذية الدرجة الخامسة «وهي الأغذية المشعة التي لا تصلح سوى لإطعام الحيوانات»، وكانت الأغذية من الدرجة الرابعة مخصصة للأشخاص الذين تخطت أعمارهم الخمسين عاما، وكتب كان صراحة في كتابه عن الحرب النووية الحرارية «معظم أولئك الأشخاص سيموتون نتيجة أسباب أخرى قبل أن يصابوا بالسرطان».

لكنَ ذلك الاقتراح الصادم فشل أيضا في إنقاذ الطائرة النووية، إذ وجدت إدارة أيزنهاور أن البرنامج لم يعد ضروريا، فضلا عن خطورته البالغة وتكاليفه الباهظة، وفي 28 مارس 1961، ألغى الرئيس جون كينيدي البرنامج في أعقاب تنصيبه رئيسا للبلاد، وبرزت مقترحات عدة لصناعة الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية منذ ذلك الحين، لكن الخوف من الإشعاعات وانعدام التمويل أحبطا تلك الأفكار.

العودة للمتقاعدين

لا يزال سلاح الجو يحافظ على تقاربه للطيارين الأكبر سنا، ولديه عمر محدد لأي فرع في الجيش، وزاد هذا الحد إلى 39 عاما في عام 2014، وقد يكون بعض الطيارين أكبر سنا بكثير.

في العام الماضي، واستجابة لنقص ما يقرب من 2000 طيار، عادت القوات الجوية إلى أعضاء الخدمة المتقاعدين كجزء من برنامج العودة الطواعية للمتقاعدين إلى الخدمة الفعلية، ويمنح البرنامج ألفا من طياري وسائقي طيران سابقين خيار العودة إلى الخدمة الفعلية، ومن المحتمل أن يشمل ذلك الواجب القتالي.

وفي إشارة إلى أوضاع هؤلاء المتقاعدين، قال متحدث باسم القوات الجوية في العام الماضي «كل شيء مطروح على الطاولة، كل شيء تقريبا، على الأقل لن يحلق أي من هؤلاء الطيارين على الإطلاق بطائرة نووية».

الأكثر قراءة