الخوف على الهوية والثقافة يدفع دولا أوروبية للتدخل في شؤون مسلميها

الجمعة - 17 مايو 2019

Fri - 17 May 2019

تتوجه سياسات عدد من الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة إلى إنشاء إسلام مؤمم من خلال إضفاء طابع مؤسسي على برامج الحوار التي تناقش قضايا الإسلام والمجتمع والمتطرفين من المسلمين، بحيث تكون الرسالة الأساسية هي أن المسلمين يشكلون تهديدا أمنيا للدولة والمجتمع.

ونشرت مجلة Insight Turkey الأكاديمية مقالا كتبه الباحثون إنيس بيراكلي وفريد حافظ وليونارد فيتر بعنوان «هندسة إسلام أوروبي: تحليل لمحاولات تدجين المسلمين الأوروبيين في النمسا وفرنسا وألمانيا»، يناقش سياسات وإجراءات وتعاملات الدول الثلاث في تنظيم الإسلام، بما في ذلك الخطابات المتعلقة بالأمن والتكامل والتوطين والملكية.

وكشفت عديد من الإجراءات المتخذة عن نهج الدول في منح الإسلام مكانه في المجتمع، بينما تشير جوانب أخرى إلى الخيال النمطي للمسلمين، أي إن مفهوم أوروبا قائم على التنوير والحداثة ولكن المسلمين يمثلون عكس ذلك.

النمسا

دخل الطابع المؤسسي على الإسلام في النمسا بموجب قانون الإسلام عام 1912، بعد ضم الإمبراطورية النمساوية المجرية للبوسنة والهرسك، ثم تأسست الجماعة الدينية الإسلامية «IGGiÖ» كهيئة اعتبارية تمثل المصالح الدينية لجميع المسلمين الذين يعيشون في النمسا 1979، فأصبح المسلمون تحت إشرافها المباشر وليس تحت نفوذ الدولة.

في عام 2011 أطلق وزير الدولة بوزارة الداخلية آنذاك سيباستيان كورتس «منتدى حوار الإسلام» كمبادرة لتحسين التعايش والشعور بالانتماء لدى المسلمين، إلا أنها أظهرت محاولات لإدخال سياسة إسلامية جديدة تختلف عن نهج الدولة تجاه مجتمعات وأديان أخرى معترف بها قانونا باستخدام خطاب متناقض، برفض التعميمات العنصرية عن المسلمين والاتفاق مع مفاهيم الجناح اليميني.

وواجهت الجماعة الدينية الإسلامية كثيرا من الصدامات حتى أجبرت على الموافقة على القانون الجديد وتكييف دستورها وفقا للشروط الأساسية، وفي حال مخالفة القانون تفرض غرامة على الفرد تبلغ 150 يورو، منها مخالفة حظر الحجاب.

ألمانيا

لم تكن ألمانيا بحاجة للاعتراف بالإسلام ككيان عام أو إضفاء طابع مؤسسي عليه نظرا لعدم وجود عدد كبير من السكان المسلمين في التاريخ الألماني، إلا أنه بعد هجرة المسلمين إلى ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بلغ عدد المسلمين المقيمين فيها نحو 5 ملايين نسمة، أي 6.1% من مجموع السكان، فأنشئت آلية لتتحكم في رعاياها من المسلمين بتأسيس «مؤتمر الإسلام الألماني» من قبل وزارة الداخلية للجمهورية الاتحادية عام 2006، حيث تهدف الدولة من خلاله إلى دمج المسلمين في المجتمع الألماني والتكامل المؤسسي للإسلام بوضع مجموعة من التوصيات المتعلقة بتنظيم الإسلام داخل أراضيها، وإضفاء طابع حضاري على المسلمين ومعالجة مخاوف الإرهاب والتطرف. وبذلك يوصف التكامل على أنه إقرار وتكيف المسلمين مع القوانين والتاريخ والثقافة والقيم الألمانية المرتبطة بالليبرالية والعلمانية.

ازداد تركيز المؤتمر على منع التطرف والإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر ووصفها بحالة طوارئ تهدد بقاء المجتمع السياسي وصور المسلمين على أنهم تهديد خارجي وداخلي لبقاء المجتمع الألماني والدولة وقيمها، مما يبرر التدابير الاستثنائية للدولة تجاه المسلمين مثل التدخل في شؤونهم الدينية.

فرنسا

تعكس محاولات الدولة الفرنسية وبرامجها الحكومية في تنظيم سكانها من المسلمين الإرادة العامة للسيطرة والمحافظة على انضباط المسلمين ودفعهم للالتزام بالهوية القومية الفرنسية، فمنذ عام 1990 أنشأت الحكومات الفرنسية في كل من الجناحين اليميني واليساري هياكل رسمية عدة لتنظيم الإسلام، حيث بدأت حينها تتحول «مشكلة الهجرة العربية» إلى «مشكلة إسلامية»، ثم ظهرت محاولة السياسي شارل باسكوا في تأسيس سياسة بالمسجد الكبير في باريس، وبعدها محاولة السياسي جان بيير في تنظيم منابر مناقشة تهدف لتشجيع المسلمين الفرنسيين على تنظيم أنفسهم داخل إطار صممته الدولة. وعلى الرغم من أن الهياكل الرسمية التي أنشأتها الحكومة الفرنسية لا تشكل مجتمعة تنظيما متناغما للإسلام، إلا أنها أنتجت مجموعة متشابكة من الآليات تهدف جميعها إلى السيطرة على طريقة ممارسة المسلمين لدينهم في فرنسا، كما يعد الإنتاج المستمر للقوانين التي تستهدف المسلمين استجابة لظاهرة التطرف، فيما سمح التدخل المستمر في شؤون المسلمين بفرض فرنسا أجندتها ومخاوفها على الهوية والأمن.