طلال الحربي

القطاع الخاص وتمكين السعوديين

الثلاثاء - 14 مايو 2019

Tue - 14 May 2019

على مدار التاريخ ستبقى البطالة مشكلة أزلية مستقبلية لا يمكن أن تصل معها إلى حل 100%، وكل الحلول مختصر بجملة واحدة هي: خفض معدلات البطالة، وعلينا الاعتراف بهذه الحقيقة دون أية مجاملة، والسبب أن البطالة ليست حالة فردية تعني عدم وجود عمل، بل هي منظومة تتداخل فيها كثير من العوامل والأسباب التي تجعل من حلها جذريا أمرا شبه مستحيل، حيث إن أساس الحل الجذري وجود قوى قادرة ومؤهلة على العمل، والأهم راغبة بالعمل، مقابل وجود وظائف وعمل لها لكي تكون النتيجة تحقيق ما تطمح له في حياتها من دخل مستقر يلبي الاحتياجات ويؤمن المستقبل، لهذا علينا الالتزام بنهج خفض معدلات البطالة.

في المملكة وعلى مدار عقود طويلة نسعى بشكل حثيث إلى حل مشكلة البطالة من خلال توفير فرص العمل، وفي فترات سابقة قمنا بالعمل على توفير دخل ثابت لكل عاطل عن العمل تحت مسمى «حافز»، وبدلا من أن يكون حافزا للعمل أصبح حافزا بفترته الزمنية على الكسل، لهذا ومنذ بدأت ملامح رؤية المملكة 2030 ونحن نشهد عملا دؤوبا لخفض معدلات البطالة، ولا يمكننا إنكار أن المشكلة الأولى التي واجهت هذا التوجه الحقيقي كانت تضخم وزيادة عدد القوى العاملة الوافدة، فكان لا بد أولا من أن نوازن بين احتياجات السوق وتوفر فرص العمل للمواطن، وبين أعداد وخبرات الوافدين.

طبعا هذا عمل مبني على اجتهاد ولا نستطيع أن نقول إن كل اجتهاد صائب، فلسنا معصومين عن الخطأ، لكن نستطيع أن نقول إنه كان بالإمكان أفضل مما كان من حيث التعامل الأولي مع ملف الوافدين. الآن هذه فترة انتهت وبدأ السوق السعودي يعيد إنعاش نفسه وتحديد احتياجاته من العمالة الوافدة وتحديد احتياجاته من القوى العاملة السعودية، وطبعا لا ننكر أن قطاعنا الخاص مع الأسف ساهم بحد كبير إلى وصول مراكز صناعة القرار لاتخاذ قرارات قد تكون أضرت بتجارته خلال فترة معينة، لكنه لو كان منذ البدايات ينفذ شروط السعودة ويوفر فرص عمل حقيقية للسعوديين لما وصلنا إلى مثل هذه المرحلة.

الآن الحكومة ممثلة بالقطاعات الوزارية العمل والتجارة والطاقة والمالية والتنمية كلها تسعى إلى تصويب الأوضاع وتوجيه البوصلة نحو إيجاد فرص عمل حقيقية للمواطنين، من خلال تمكينهم وتأهيلهم للعمل، وليس من خلال الزج بهم من مبدأ «اذهب أنت وربك فقاتلا»، الآن بدأنا نتلمس توجهات لتثبيت النتائج الإيجابية وأسبابها، وتعديل أية انحرافات ظهرت، وهذا ما لمسناه من خلال إطلاق منصة «قوى» التي دشنها وزير العمل مؤخرا في العاصمة الرياض.

المنصة من حيث الفكرة تهدف إلى تعزيز التحول الرقمي وسهولة إنجاز الخدمة للمستفيدين وسرعة اتخاذ القرار وزيادة مستوى الشفافية ورفع الجودة، إضافة إلى إيجاد حزمة خدمات لإيجاد سوق عمل متكامل وتنافسي يحقق اقتصادا قويا. ننتظر من المنصة وغيرها من مبادرات وزارة العمل زيادة نسب التوطين في الوظائف من خلال دعم وتأهيل وتمكين المواطنين، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال دعم القطاع الخاص، وقد أعلنت الحكومة مؤخرا عن توجهات مباشرة في ذلك.

هنالك أهداف عديدة للمنصة من حيث تسهيل المعاملات والتطور التكنولوجي التنقي، لكن علينا نحن أن نفهم أن مثل هذه الخدمات حين تسهل وتوفر على القطاع الخاص فإن القطاع الخاص لا بد أن يعي جيدا أنه مقابل هذه الخدمات عليه العمل فورا على تنمية سوق العمل للشباب السعودي، والاستفادة من مخرجات ونتائج مبادرات وبرامج التحول الوطني ورؤية 2030، وعدم السكون والتهوين حتى لا تعود الحكومة للتدخل من جديد لفرض واقع تحقيق الأهداف بطريقتها التي حتما لا ترضي الكل مرة واحدة.