مرزوق تنباك

إعلام الموقعين عن رب العالمين

الثلاثاء - 14 مايو 2019

Tue - 14 May 2019

هذا العنوان الذي تصدر مقال اليوم لعالم من علماء السلفية المشهورين هو ابن قيم الجوزية، وهو عالم جليل وتلميذ لابن تيمية ومن علماء القرن الثامن الهجري، والمعلوم أن السلفية أكثر المسلمين تنزيها وتطهرا عما قد يشكل من المعاني وما يتعلق بالذات الإلهية مما لا يجوز وصف الله به، ويقرأ العنوان على معنيين (إعلام) الموقعين عن رب العالمين، والمعنى الآخر للقراءة (أعلام) الموقعين عن رب العالمين.

وفي كلا القراءتين إشكال فيما يتعلق بالتوقيع والنيابة لمن تكون وعمن تكون ومتى فوض الله أحدا من عباده بالتوقيع عنه أو الوكالة باسمه ولماذا تكون النيابة عنه والله معنا حيثما كنا (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة)، وليس بينه وبين عباده حجاب ولا وكلاء ولا موقعون عنه بالنيابة، فالصلة مباشرة بين العبد الفرد وبين ربه العليم الخبير (ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، لم يخص أعلام الموقعين عنه بفضل على غيرهم، بل عم نداؤه عباده كافة الذين يدعونه في السر والعلانية، ويقول كذلك (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).

وفي الحديث الشريف والسنة المطهرة أن النبي نهى أمراء السرايا من أن ينزلوا الناس على حكم الله في حال غلبتهم والتفاوض معهم في أمر الصلح والحكم، خوفا من ألا يصيبوا حكم الله فيهم، فأوصى أحد أمراء جيوشه قائلا «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا».

هذا الاحتراز من النبي وهو حي ينزل عليه الوحي ويوجه من السماء، ومع ذلك نهى أن يتألى أحد على الله في الحكم، فضلا عن التوقيع والنيابة عنه تعالى الله رب العالمين. وفي حديث عدي بن حاتم تفسير وتحذير من طاعة البشر في عبادة رب الناس، فقد سمع عدي بن حاتم الطائي قول الله تعالى «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله»، فحاول بيان ما كانوا يفعلونه بوصف ما كان عليه هو وأهله قبل الإسلام، أي على النصرانية، فقال: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ قال: فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم.

هذه النصوص وغيرها توردها كتب السلف وتؤكد عليها وتدعو للأخذ بالنقاء والطهر الذي تحمله معانيها ومضامينها الواضحة التي تميز ما لله وما لخلقه، ولكن تراث السلفية لم يستشكل عنوان كتاب ابن القيم والتوقيع عن رب العالمين فيما لا يعلمه الموقعون ولم يفوضهم الله بالنيابة عنه سبحانه.

والسؤال: لماذا سكت رجال الدين عما كانت أدبيات مذهبهم تؤكد عليه وتدعو له وهو التنزيه لله وعدم إشراك أحد معه في تدبيره وحكمه؟ سؤال نريد من رجال الدين الأفاضل الجواب عنه وتوضيح موجبه، فقد يكون لديهم ما يرونه جائزا في هذا الشأن، ولكن الناس يريدون مزيدا من التوضيح والبيان، والله أعلم بما يكون وما كان وعنده علم الغيب ويهدي إلى صراط مستقيم.