حذامي محجوب

نفحات من شهر الصيام في تونس

الجمعة - 10 مايو 2019

Fri - 10 May 2019

يبدأ الاستعداد لشهر رمضان المعظم عند التونسيين بأيام عدة، ويتجلى ذلك في حركة الأسواق واكتظاظ المحلات التجارية لأن التونسيين يستعدون لاستقباله بتجديد مستلزمات المطبخ وتهيئة المنزل وطلاء جدرانه، وهذه الحركية تتواصل خلال الشهر المبارك إلى غاية حلول العيد، حيث يتضاعف استهلاك المأكولات والحلويات ويقبل الناس على شراء ملابس العيد وحلله وكل مستلزماته. ويحتل رمضان مكانة روحية عميقة لدى التونسيين، حيث تكتظ الجوامع بالمصلين وتقام معارض للقرآن ولحفظه وختمه في كل المساجد، وتنظم الدولة مسابقات لحفظ القرآن في مساجد البلاد كافة، لعل أشهرها المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم، والتي تشهد كل سنة مشاركة أكثر من 15 دولة عربية وإسلامية، فتتلألأ صوامع الجوامع في كل المدن بالمصابيح وتصدح المآذن بتلاوات خاشعة للقرآن الكريم، ويتسابق التونسيون بعد الإفطار إلى حضور صلاة التراويح وحضور الدروس والمحاضرات والمسامرات الدينية.

كما تتزين واجهات المقاهي وأماكن السهر خاصة منها قاعات المدينة العتيقة لاستقبال الوافدين عليها في ليالي رمضان بالموشحات الدينية والأغاني الصوفية.

إنه شهر الأفراح والمسرات والتضامن، تتعدد فيه اللقاءات والمناسبات العائلية، منها إقامة مواكب الخطبة بالنسبة للفتيات وتقديم ما يسمى ب "الموسم" لهن، وهو عبارة عن عربون محبة وارتباط في شكل هدايا يقدمها الخطيب رفقة عائلته لخطيبته ليلة 27 رمضان بالنسبة لبعض المناطق، أو ليلة العيد بالنسبة لبعض المناطق الأخرى من البلاد. إن شهر رمضان المعظم في تونس هو بلا منازع شهر الدعوات والتزاور واللقاءات العائلية، كما تحتفل العائلات التونسية في ليلة القدر عادة بختان الأطفال بتنظيم سهرات دينية تحييها فرق دينية، وتتولى عدد من الجمعيات الخيرية في هذا الشهر المبارك القيام بذلك بالنسبة للعائلات المعوزة والفقيرة لكي لا تحرم من متعة الاحتفال بختان أطفالها.

وتأخذ مائدة الإفطار لهذا الشهر الكريم أهمية وعناية خاصة، ويعد التمر والحساء أو ما يسمى "فريك" و"البريك" و"الطاجين" من أبرز مكوناتها، ثم تأتي الأطباق الأساسية الأخرى من اللحوم أو الدواجن أو الأسماك مع الخضراوات، وكل هذه الأطعمة تطبخ في تونس بزيت الزيتون.

ومعروف عن التونسي أنه يستهلك كثيرا من الخبز والحلويات في شهر الصيام لأن أصحاب المخابز يتفننون في صنع الخبز المالح والمحلى، كما يكثر في رمضان بيع نوع من الحلويات التقليدية التي لا يقبل عليها الناس تقريبا إلا في هذا الشهر، وهي "الزلابيا" و"المخارق" و"المقروض" و"البوظة" و"المهلبية" و"القطائف"، وكلها دسمة تصنع بالقمح والعسل والسمسم والفواكه الجافة. إنها تقليد رمضاني موروث منذ عشرات السنين يعتقد أنه يمد الصائمين بالطاقة والحيوية لتحمل أعباء اليوم.

كل هذه الأطباق يقع تناولها في السهرات الرمضانية التي تستمر إلى السحور، حيث تنظم عدد من العائلات سهرات تسمى ب "السلامية" احتفالا وتبركا بهذا الشهر الفضيل، والسلامية تتكون من مجموعة من المغنين الذين ينشدون على ضربات الدف أدوارا تمدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء.