عبدالله المزهر

فات ميعاد الهنهنة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 08 مايو 2019

Wed - 08 May 2019

يقول محمد ابن عبده في الأغنية التي كتبها خفاجي رحمه الله «لا تجاملني بآسف، خلِ آسف للجديد»، ويقول الراحل سلامة العبد الله عليه الرحمة والغفران، في الأغنية التي كتبها الراحل الآخر سعود بن بندر رحمه الله «لا تعتذر ذي غلطتي ليش حبيتك»، ومع أننا في شهر رمضان إلا أن أصفاد الشيطان لم تمنعه من الإصرار في اليوم الأول من هذا الشهر على أن يهمس بأغنيات الاعتذار في رأسي، ووجدت أني أدندن بها في وقت ليس مناسبا على الإطلاق للطرب والدندنة. لأن للدندنة ما بعدها حسبما جاء في أغنية للفنان اليمني فؤاد الكبسي تقول «من بدع في الهنهنة غنّى، ومن غنّى رقص»، وأنا أخشى أن تدفعني الهنهنة إلى الرقص، وهذا سيكون أمرا مؤذيا للعين وانتكاسا في قيم الجمال. لن يكون هناك شيء أسوأ من صوتي وأنا أغني إلا رقصي أثناء أدائي لهذه الفعالية الترفيهية.

والاعتذار المنهي عنه في الأغنيات السالفة الذكر هو الاعتذار الذي يأتي بعد فوات الأوان، الاعتذار الذي لا يصلح أي شيء، الأسف الذي لا معنى له.

ولو أن لصا يسرق أموالك ثم اتصل بك معتذرا عن سوء تصرفه وأنه لن يعيد لك ما سرقه، وعليك أن تنسى وتسامحه، ومع أن الأموال يمكن أن تجمع من جديد، إلا أنك ستعتبر هذا الاعتذار شيئا لا معنى ولا قيمة له. فكيف إن كانت المسروقات هي أيام عمرك التي لا يمكن إعادتها من جديد، ولا إصلاحها ولا حتى استبدالها بنقاط من شركة اتصالات. هنا يكون الاعتذار خطيئة جديدة، واستفزازا من اللص لا مبرر له ولا يمكن تفسيره إلا أنه رغبة في سرقة ما تبقى لديك من أيام.

ويستدل من أغنيات الاعتذار أيضا أن الاعتذار قد يصنف في باب الشجاعة حين يكون في مقدورك ألا تعتذر، أما حين يكون الاعتذار هو المخرج الوحيد الذي تجده أمامك فإن الأمر لا علاقة له بالشجاعة ولا بالفروسية ولا بالنبل، ربما يكون أكثر دلالة على المراوغة أكثر من دلالته على أي شيء آخر. وأنك لن تجد حرجا في الاعتذار لاحقا عن اعتذاراك اليوم.

وعلى أي حال..

صحيح أن أم كلثوم رحمها الله تقول «فات الميعاد» ردا على اعتذار متأخر، لكنني أظن أنه من الأفضل أن نستعيذ بالله من الشيطان وألا نأخذ الأغاني على محمل الجد، وألا نعتب على المغنين، لأنهم ربما لا يعنون ما يقولون ويغنون كلاما كتبه غيرهم ولحنه آخرون. وهذا يعني أن نبقى على قناعاتنا بأن الاعتذار في أسوأ حالاته أفضل من عدمه إلى أن يثبت العكس من خلال أغنية جديدة لأم كلثوم.

agrni@