عبدالله المزهر

المروءة ليست من مبطلات الصيام!

الأحد - 05 مايو 2019

Sun - 05 May 2019

إن كنت تقرأ هذا المقال فأنت ممن كتب له الله أن يبلغ هذا الشهر الكريم، فكل عام وأنت بخير وفي خير وإلى خير، ولعلك تعلم أن رمضان يأتي كل عام في نفس الموعد، ولذلك فإني أرجو الله جلت قدرته ألا تكون قد تفاجأت بقدومه كما تفعل كل عام. ولا تنس ـ إن طال بقاؤك عاما آخر ـ أن يوم 1/‏9/‏1441هـ سيكون بداية رمضان جديد.

ثم اعلم يا رعاك الله أني وبقية الخلق من عرب وعجم لسنا متلهفين كثيرا لمعرفة ماذا تأكل وكيف تأكل، ولا نراقب الوقت شوقا وترقبا لمعرفة ماذا احتوت عليه سفرتكم العامرة، وتصويرك لها ونشرها بين العالمين أمر غير مفهوم ولا مبرر، وكون آخرين يفعلون ذلك فلا يعني أنه تصرف صحيح، بل إن هذه واحدة من أغرب طبائع البشر المستحدثة التي لم يجد لها العلم تفسيرا حتى الآن.

صور طعامك، وفسيفساء ألوان المأكولات والمشروبات على مائدتك الممتدة كنهر في الصحراء ليست سبقا صحفيا ولا خبرا عاجلا تنتظره البشرية. صحيح أنك تنشر ذلك في حسابك الشخصي، ولا يوجد ما يمنعك من فعل ذلك إلا المروءة واحترام مشاعر الآخرين ممن لا يجدون من الطعام ما يمكنهم تصويره، والمروءة واحترام مشاعر الآخرين ـ كما تعلم ـ ليست من الأشياء المهمة ولا المطلوبة في شخصية إنسان هذا العصر، والحديث عنها ـ أي المروءة ومشتقاتها ـ ليس أكثر من دروشة حسب عقلية «إنسان السناب»، لكن وجودها ـ أحيانا ـ لا يضر كثيرا، ثم إنها لا تبطل الصيام.

ثم فكر قليلا ـ إذا لم يكن في التفكير مشقة ـ وستكتشف أن أسهل «الطاعات» التي تتقرب بها إلى الله في هذا الشهر وأقلها تكلفة هي ألا تسرف، وألا تختال بما تأكل. وهذا ينطبق على كل أيام العام وليس حصرا على رمضان، لكن وجودها في رمضان أولى، لأنك لو تفكرت قليلا ـ إن كان لا زال لديك القدرة على التفكير ـ لوجدت أن جوهر الصيام هو «غياب» الأكل وليس حضوره الطاغي، ولذلك فإن عدم الإسراف والابتعاد على استعراض الصحون ربما يكونان من مكملات الصيام في هذا العصر. فكف أذاك عن أعين الناس.

وعلى أي حال..

من المهم أن تتذكر أيها الأخ الصائم أنه يصوم معك أكثر من مليار إنسان، فيهم الغني والفقير والمريض والمعافى، والآمن والمشرد، من لا يجد مكانا يؤويه ومن لديه من القصور والبيوت أكثر مما تحويه سفرتك من أطباق، ومن لا يجد ما يأكله في كل أيام العام، ومن يكاد يموت اختناقا من الشبع. ولهذا فلا تمن بصيامك على أحد، ولا تتحجج بصيامك مبررا لسوء خلقك، ولا سببا في قبح أفعالك.. والسلام!

agrni@