طلال الحربي

بين الفارسية والتركية

الاحد - 05 مايو 2019

Sun - 05 May 2019

قبل أيام وقعت بين يدي رسالة وجهها شاه إيران الملقب عباس ميرزا بن فتح علي شاه خاقان إيران إلى والي مصر محمد علي باشا في العام الميلادي 1818 وفيها يهنئ خاقان إيران الفارسي محمد علي الألباني بسقوط الدولة السعودية الأولى أو ما تعرف بدولة الدرعية. وبالاطلاع على واقع الحال في تلك الأيام إبان الحكم العثماني للبلاد العربية وغيرها لم يكن هنالك دول مستقلة بمعنى كلمة مستقلة للعرب، وإنما كانت ولايات وإمارات تتبع كلها بالولاء للأستانة في تركيا العثمانية، وكلما ظهر بعض من حاول أن يصنع دولة أو شبه دولة مستقلة عن إرادة الآستانة فإنه يعتبر في حكم الخارج على القانون والعاصي والمتمرد، لكن في وسط جزيرة العرب في منطقة الدرعية النجدية إمارة تعتبر صغيرة لعشائر وقبائل عربية، فما الذي يشكل خطرا على دولة بني عثمان مما يلزم خاقان إيران بتهنئة والي مصر الألباني؟

نعم إنها منهجية القوميات المتلحفة بالإسلام مقابل واقعية القومية العربية أول المسلمين والإسلام، فمنذ سقوط دولة بني العباس لم تقم للعرب قائمة بكيان سياسي مستقل، بل كان الأساس إجهاض كل محاولة لذلك، وهي عديدة، وفي معظم الحالات لم يكن الإجهاض بمعنى القضاء الكلي، وإنما الترويض وفرض التبعية، لكن دولة الدرعية الدولة السعودية الأولى أرسل لها جيش من مصر ليخوض غمار الصحاري ويقطع المسافات الطويلة حتى يصل الدرعية ويقضي كليا على هذه الدولة العربية، والسبب واضح جدا أنه لا يمكن للقومية العثمانية أن تسمح بنهوض دولة عربية من أقحاح العرب في شبه الجزيرة العربية، قادرة على التحكم بكبيرات قبائل وبطون العرب الأصيلة النقية، لأن هذا يعني بكل اختصار فقدان العثمانيين لأهم ما ظنوا أنه يميزهم، ألا وهو وحدة المسلمين، فإن ظهر من يوحد أيضا ولكنه عربي فإن الواقع يفرض نفسه أن بني عثمان سيفقدون ميزتهم وسلطتهم وحكمهم، ذلك في العام 1818م يعني قبل مئة عام من سقوط دولة بني عثمان. وحدث بعد ذلك نشوء الدولة السعودية الثانية ومن ثم الثالثة.

لكن خاقان إيران على الجهة المقابلة للخليج العربي في عصر لم تكن فيه بلاد عربية موحدة ولا حتى بارقة أمل بالتوحيد، يفرح ويهلل بالقضاء على دولة عربية بعيدة عنه كل البعد، ولا تملك من مصادر القوة الطبيعية ما يجعلها في حينه تشكل تهديدا على أحد، لكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن العربي متى ما ملك قرار نفسه وتحكم بشؤونه وخلع التبعية لأي أحد غير شرع الله، فإن العرب كلهم يتبعونه ويلتحقون به، وإن كان الأمر من باب الإسلام فالأولى بخاقان فارس وسلطان عثمان أن يفرحا لأنها قوة فوق قوة، لكن الأمر أبدا ليس من باب نصرة الإسلام، وإنما من باب كل يغني على ليلاه، ولكل غاية في نفسه.

حادثة تهنئة خاقان إيران ليست الأولى التي يمكن تسجيلها على نوايا بني فارس وبني عثمان، فهي كثيرة، ومنذ سقوط كسرى واغتيال أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه، وهم يكنون للعرب كل العداء والبغضاء، ومهما تغيرت الأحوال وتطورت الظروف وتقدمت الدنيا تبقى الفطرة فيهم كما هي، واليوم أكبر دليل وخير شاهد على ذلك.

تركيا أبدا ليست عربية وإيران أبدا ليست عربية، وكلتاهما ليستا على نهج الإسلام الصحيح دين التوحيد، فذلك صفوي مغال في تشيعه، والآخر صوفي وجد بوابة الإخوان المتأسلمين ممهدة له، ليعمل الجميع على تقديم الإسلام السني الوسطي على أنه دين إرهاب وأهله أهل إرهاب.

@alharbit1