سفر القحطاني

السعودية والعراق.. شعب واحد

الخميس - 02 مايو 2019

Thu - 02 May 2019

بين السعودية والعراق ثقافات متأصلة عبر السنين، ولا أبالغ إن وصفت هاتين البقعتين كمهد للحضارات منذ فجر التاريخ، والحضارة السامية من الشواهد، إذ قامت في بدايتها في شبه الجزيرة العربية قبل انتقال الأكاديين - أقدم الشعوب السامية - إلى العراق ليقيموا مع السومريين ويتكون عقب ذلك مزيج حضاري ومعماري بينهما.

مرت السنون وتعاقبت الأحداث التاريخية حتى صدر الإسلام فاندمج العراق بشبه الجزيرة العربية، وذلك مع ترادف الإمبراطوريات الإسلامية وصولا إلى القرن الماضي.

ومع توحيد أطراف المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز، أولى جلالته آنذاك اهتماما بالغا بالعراق، وذلك بزياراته للبصرة ولقائه أيضا بجلالة الملك فيصل الأول ملك المملكة المستقلة للعراق، ومع تولي ابنه الملك غازي الأول للحكم تم توقيع اتفاقية «التحالف والأخوة العربية مع مملكة العراق» لتأصيل العلاقات بين المملكتين، وهذا كله يدل على متانة العلاقة التاريخية بين البلدين الشقيقين.

ولكن مع اجتياح الثورة الخمينية في بلاد فارس وتصدير أفكارها الثورية الطائفية لبلاد العراق تزامنا مع نهوض الفكر الصحوي في السعودية، وذلك في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الميلادي الماضي تقهقر هذا التصاهر بالظهور الجلي للتناحر الطائفي العربي بين مذهبي الشيعة والسنة، وكل طرف فيهما يمقت الآخر بل ويكفره، فهذا ينعت ذلك بالناصبي وذلك يدعو هذا بالرافضي، وضاع عموم الناس بين علماء دين عملوا على تأصيل الكراهية بين أبناء الدين الواحد، فكان من عوام الشيعة من يرى التسنن منهجا تكفيريا، ومن عوام السنة من يرى التشيع طريقا صفويا فارسيا. فوجود البعض من الشيعة الصفوية والسنة المكفرين لا ينسحب بأي حال من الأحوال على طائفة بأكملها.

أذكر الحقبة الزمنية في أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة الميلادية في المدارس، وكيف كان بعض المعلمين - ممن غرر بهم - يرمي التهم جزافا على هذه الطائفة أو تلك. هم لا يعلمون أن ما قاموا به من تثبيت لأصول الكراهية هو في الأصل خدمة لأجندة سياسية هدفها زعزعة استقرار المنطقة، وهم لا يدركون في ذات الوقت أن زرع التناحر الطائفي هو معول هدم الأمم والحضارات. كانوا يسيرون تحت تنظيم ممنهج بغير وعي منهم بأهدافه ورؤاه، ذنبهم الوحيد تسليم عقولهم لعلماء ممنهجين للفرقة.

عندما سنحت لي الفرصة للابتعاث الخارجي في المملكة المتحدة، وجدت الجالية العراقية هناك ممن يعملون معي في ذات المركز البحثي، فكنت أعرف العراقي جيدا من ابتسامته وحرصه الشديد على المساعدة، كانوا متعطرين بخلق رفيع، بل إنني كنت أزور الفرات كل يوم حين أجالسهم، فكانوا خير سفراء لهذا البلد العظيم. أذكر في بعض الأحايين يداهمنا موعد صلاة العشاء ونحن في خضم التجارب المعملية فكان زميلي العراقي (مِقدام) المنتمي لطائفة التشيع يذكرني بوقت الصلاة، بل في أحيان يدعوني للصلاة معه! وكنت أسأل نفسي مرارا وتكرارا: من المسؤول عن إخفاء أخلاق وجماليات الشعوب؟

من المفارقات أيضا في تلك الرحلة العلمية أن أصدقائي العراقيين أسرّوا لي تعجبهم من الطلبة السعوديين، فكان الاعتقاد منهم أننا ذوو غلظة متحجرو الفكر لا نقبل التعايش مع من يختلف عنا، وأن ما وجدوه في الواقع هو النقيض تماما، فأدركت حينها الحاجة الماسة لتصحيح مفاهيم الشعبين وضرورة خمد من يسعى لتأجيج الخلافات الطائفية والسياسية.

إن تفطن القيادة السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله لأهمية التجاذب بين أبناء المنطقة الواحدة، وذلك باستكمال ما بدأه موحد هذا البلد المعطاء، يزرع الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة ويدفع بالناتج الاقتصادي العربي للنمو والازدهار، وتحقيقا لرؤية 2030 بتواجد السعودية كعمق عربي وإسلامي، وذلك بتغيير المعادلة في المنطقة للصالح العربي الإسلامي، تم توقيع حزمة من الاتفاقيات مع بغداد لتحقيق تطلعات الشعبين الشقيقين. هذا الحرص الملموس من قبل الحكومة السعودية على شعب العراق يعكس رغبة حقيقية في رسم معالم وطن عربي واحد يجابه التحديات المعاصرة ككتلة واحدة.