ياسر عمر سندي

انزل من القارب في الوقت المناسب

الأربعاء - 01 مايو 2019

Wed - 01 May 2019

التفكير المستدام وبشكل إيجابي مع القليل من جرعات التركيز الفكري المقنن على مسألة أعتبرها في غاية الأهمية قد ينساها البعض، وقد يهملها كثيرون ويراوح لفعلها آخرون، وهي تبني استراتيجية «التوقيت المناسب» مع إضافة كثير من الرصانة وتساؤلات نوجهها لأنفسنا: متى؟ وكيف؟ وأين؟ ولماذا؟ ومن؟ لنتمكن من الخروج بشخصية نيرة للتعامل مع مقتضيات الحياة الإنسانية، سواء الدينية أو الدنيوية.

وكلما كان الشخص واعيا في تصرفاته وسلوكياته مع الله وعباد الله ومراعيا لمصالحه الخاصة وحافظا لمصالح غيره بكل حكمة واعتدال، زاد لديه الشعور بأهمية الوصول إلى ما أسميه «الذكاء الاستباقي» في التعاطي بين البشر، وهو الخليط بين الذكاء الاجتماعي نتيجة التفاعل في المجتمع بمكوناته المختلفة، والذكاء الفطري بالاستعداد الجيني الموروث، والذكاء التوقعي لما سيحدث مستقبلا بالتخطيط المسبق.

وتتنامى الذكاءات الثلاثة ويزيد تطورها جراء ما تم اختزاله من خليط الخبرة الموجودة بمخزن الوعي واللاوعي، وأيضا المعرفة الدفينة في سراديب العقل، والتي تراكمت عبر المواقف والانفعالات والتعلم بشقيه النظري والتطبيقي، والتي يتم استدعاؤها لعلاج مشكلات أو لإيجاد حلول، فتحدث لدى الإنسان توليفة من العمليات العقلية المعرفية مثل زيادة الإدراك وشدة الانتباه وقوة الملاحظة وفعالية التصور، والتي تجعله يتصرف بسلوكيات موزونة ومدروسة، وبالتالي تتكون لديه الجاهزية والاستعداد وتتشكل معه الشخصية المناسبة للموقف الحاسم في الوقت المناسب، وهذا ما أرمي أليه تحديدا، فتصبح تركيبة الشخص في تنافس وسجال مستمرين بين العقل والعاطفة، لأخذ القرار في حينه أو أن يتم تأجيله، وسواء كان القرار عاجلا أم آجلا يجب أن يراعى فيه التوقيت إما بالترك والاستبعاد أو الاستبقاء والاستمرار، ولكل من الحالتين نواح إيجابية وأخرى سلبية تقع على عاتق الإنسان ليتحمل نتيجة ذلك القرار.

وإذا ما افترضنا مجازا أن الحياة جميعها بمفاتنها وأفراحها وأتراحها ما هي إلا بحر متلاطم الأمواج، ومصالح الإنسان أشبه بالقوارب المبحرة، هناك قارب الوظيفة، وأيضا قارب الزواج، وآخر يمثل قارب العلاقات الاجتماعية، وقارب يمثل التجارب الجديدة وغيرها من القوارب الراسية على شواطئنا الشخصية، سنجد أن كل قارب في حركته يمثل الوسيلة المستخدمة للوصول إلى الغاية المراد تحقيقها، والجميع لهم غايات مختلفة وأهميات متفاوتة بين المهم والأهم، وبحسب الاستراتيجية التي أرى أن يتبناها أي شخص منحه الله صفات الأهلية الرئيسة وهي العقل والرشد والبلوغ، بالإضافة إلى ما تم ذكره من تساؤلات ذاتية وذكاءات شخصية، أن يحسم قراره في الوقت المناسب لينزل من قاربه قبل غرقه.

فعلى سبيل المثال يرتبط الشخص بعلاقة وطيدة مع وظيفته وبعد العمل الناجح والأداء المشرف ينشأ الولاء ويعزز الانتماء بين الموظف والمنظمة، وتقوم الأخيرة باختلاق ما يسمى بالزعزعة التنظيمية لإحداث فوضى التسريح الوظيفي، وهنا يجب أن يستجمع الموظف قواه ويستخدم حصيلته وتوليفته في العزم على قرار التوقيت المناسب للنزول من القارب، وأيضا في العلاقات الزوجية إذا تجاوزت حدود الأدب والاحترام يجب التفكير بعمق في قرار ترك القارب في الوقت المناسب، وأيضا العلاقات بين الأصدقاء أو المعارف قد يتسبب أحد أطرافها بالتعدي والتجاوز المتكرر على الطرف الآخر، ولم ينفع معه النصح والإعراض والتجاهل، هنا يستلزم الموقف حسم العلاقة والتخلي فورا.

وفي رأيي أجد أن أهم القرارات التي يرشدك إليها التواب الكريم في الوقت المناسب هو قرار النزول من قارب الذنوب بالتوبة النصوح، قال عليه الصلاة والسلام «إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر».

@Yos123Omar