طلال الحربي

دعوة لعودة الاستعمار!

الاحد - 21 أبريل 2019

Sun - 21 Apr 2019

لا يملك المتابع لما يجري في دول الشمال الأفريقي والسودان سوى الشعور بالأسى على الوضع المتردي الذي وصل إليه الحال العربي الذي أصبح أضحوكة في أنظار العالم. لقد أطل النصف الثاني من القرن العشرين وقد استقلت معظم الدول العربية من خلال اتفاقيات مع الدول الاستعمارية باستثناء الجزائر واليمن اللتين خاضتا نضالا مسلحا ضد الاستعمارين البريطاني والفرنسي.

مع اندحار الاستعمار تولت رموز وطنية مقاليد الحكم في هذه البلاد، ولكن وبعد مرور هذه السنوات الطويلة عادت هذه الدول لتغرق في الفوضى من جديد، مما يثير تساؤلات كثيرة عما إذا كانت هذه الدول قد استقلت حقا أم إنها استبدلت الاستعمار الداخلي باستعمار خارجي.

لقد كانت حجة الدول الاستعمارية لاحتلال هذه الدول ودول كثيرة في العالم تعتمد على تفوق العرق الأبيض و«بدائية» الشعوب الأخرى التي قالت الدول الاستعمارية إنها بحاجة إلى وصاية أبوية إلى أن تبلغ سن الرشد. وبالتأكيد هذه حجة كاذبة لأن الدول المستعمِرة كانت تسعى وراء استغلال الدول الفقيرة ونهب خيراتها.

مع ذلك، فإن الاستعمار لم ينته في حقيقة الأمر لأن الدول الاستعمارية حافظت على نفوذها في مستعمراتها السابقة من خلال أحلاف تحت مسميات شتى مثل «الكمنويلث» والمنظمة الفرانكفونية، وهذا ما يثير جدلية إن كانت هذه الدول قد استقلت حقا سياسيا واقتصاديا وعسكريا!

كانت هذه مقدمة ضرورية لفهم ما يجري في دول الشمال الأفريقي، وفي الجزائر وليبيا تحديدا.

في الجزائر كلنا يعرف الأسباب العلنية التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي بلغت ذروتها في الإعلان عن نية الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة الترشح لولاية رابعة. وفي الحقيقة هذا الإعلان كان القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقولون. فهذا الرجل كان عاجزا وكان على الذين يتحكمون بالأمور في الجزائر أن يحترموا إنسانيته وكرامته ويريحوه من مسؤوليته التي لم يكن في وضع صحي يسمح له بممارستها، ليقضي ما تبقى من أيامه بسلام على طريقة فيلم جين فوندا «إنهم يقتلون الجياد، أليس كذلك؟».

إن من حق الرموز الوطنية أن تُكرّم، ولكن يأتي الوقت الذي يجب عليها فيه أن تتنحى لتعطي المجال لغيرها ليجرب مشروعه في إدارة البلاد، لا لخدمة أجندات جهات داخلية وخارجية على حساب الوطن والشعب.

لا أحد ينكر الدور الذي قامت به جبهة التحرير الوطنية في استقلال الجزائر، لكن الذين ناضلوا دفعوا أرواحهم فداء للوطن وحريته وذهبوا ولم يتركوها تركة للمستغلين والمنتفعين والمرتبطين بأصحاب المصالح الداخليين والخارجيين الذين جعلوا الجزائر من أكثر الدول المدينة في العالم.

والحال في ليبيا مشابه لما هو عليه في الجزائر. وعمر المختار ورفاقه لم يضحوا بأرواحهم على أعواد المشانق الإيطالية من أجل أن يحكم الحبيب بورقيبة مدى الحياة، ولا من أجل أن يعلن معمر القذافي نفسه حاكما بأمر الله، ولم يثر الشعب الليبي عليه ويقتله من أجل أن يتقاتل السياسيون الليبيون ويغرقوا البلاد في بحور من الدماء.

الجزائر وليبيا ليستا ملكا لشخص أو تنظيم أو مؤسسة بعينها، إنهما ملك للشعوب التي يجب الاحتكام إليها وسماع كلمتها.

أما الذين يدعون أنهم حماة الوطن والحريصون على مصلحته وأمنه، فلا يمكنهم أن يكونوا كذلك لأنهم يحتكمون إلى السلاح لفرض سيطرتهم على الوطن والناس. كلهم يرفعون شعارات الوطنية وهي منهم براء، وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك.

ما يجري في هذه الدول العربية المضطربة لا ينحصر فيها فقط، بل يهم كل الشعوب العربية وربما العالم الذي ينتظر ليعرف كيف تحل هذه الشعوب مشاكلها؟

نحن على يقين بأن هذه البلدان غنية بالحكماء وأصحاب الرأي ويجب الاستماع إليهم. والذين يدعون حب الوطن والناس لا يدمرون الوطن ولا يقتلون الناس بدم بارد.

إن قيادة المملكة التي دعت إلى عودة الاستقرار إلى السودان وتسهيل انتقال السلطة المدنية تقف على مسافة واحدة من الأطراف المتصارعة، ونتمنى أن تخرج بمبادرة للم الشمل حتى لا يظل العالم العربي مشاعا للغرباء في دعوة مفتوحة لعودة الاستعمار مرة أخرى.