عبدالله الأعرج

عفوا أيتها الدروع!

الاحد - 21 أبريل 2019

Sun - 21 Apr 2019

يبدو لي أن صناعة الدروع تعيش أزهى وأبهى عصورها، ويبدو لي أن الحركة الشرائية لها ستدخل منعطفا جميلا يسيل له لعاب المقبلين على مشاريع شبه ريادية تضيف مزيدا من الأفكار لهذه التجارة المربحة حاليا.

ومع يقيني أن التكريم والتقدير مطلب أساسي لاستدامة العمل إلا أن إحضار سيارات بيك أب أحيانا بعد بعض حفلات الاحتفاء، لحمل دروع التكريم التي تنوء بها العصبة أولي القوة يعد أمرا مثيرا للاستغراب حول عدة جوانب بروتوكولية وفنية واجتماعية وعملية للتكريم كمفهوم إيجابي يخشى عليه من التحول إلى زاوية يصعب معها الرجوع لنقاط مفصلية تعيد الأمور إلى نصابها وتوقف الهدر لذائقة الإنجاز وتحديد أهمية الحدث!

ففي المشهد الفني والبروتوكولي فإن دروع التكريم المكلفة لا تقدم في الغالب إلا لإنجازات من العيار الثقيل كتحقيق منجز أصيل غير مسبوق أو المبادرة بعمل تطوعي مميز أو إنقاذ أرواح من مخاطر أو انتهاء فترة عمل ما، وحين تتحول الدروع التذكارية لما يشبه شهادات التقدير المعتادة تعطى على ما قل وكثر، وتمنح للإنجازات الأصيلة والأعمال المعتادة، حينها تكون هنالك نقطة نظام بروتوكولية مفادها بأن هذه الممارسة لا تتماشى مع أصول العمل، وربما تخدش بشكل مباشر كثيرا من القيم الفنية لإجراءات المنظمة المانحة.

وعلى الجانب الاجتماعي فإنني لا أعلم أي فائدة سيجنيها المجتمع من وجود سلسلة من الدروع التذكارية التي تصل إلى المئات لدى البعض إذا لم تنعكس استحقاقاتها على أداء الفرد أو المنظمة كواقع مشاهد يوازي كثرتها وغلاء ثمنها وتنوع المناسبات التي قدمت فيها واستحقاق المناسبات التي منح من أجلها، وسيكون للمجتمع حينها مدخل مبرر للتندر وربما التشكيك في مصداقية منحها، منطلقا من أن عامل الأثر ما زال غائبا عن المشهد الجماعي برمته.

وعلى الصعيد العملي فإن أساطيل الدروع الممنوحة بغير حساب باهظة الثمن، ثقيلة المحمل، كبيرة الحجم، صعبة التخزين، وتختلف عن الشهادة في قضية الاستفادة من بعضها كونها لا تقدم في السير الذاتية ولا يعتد بها في طلبات التوظيف والترقي.

وإن كانت المنظمة أو الفرد مصرين على أن تكون الهدايا دروعا فلتكن عملية من ذوات الحجم الصغير الذي لا يتعدى ضعف حجم الكف، ولتكن من البلاستيك أو ما شابهه، مجتنبة حمرة النحاس وبريق الذهب وكثرة الألوان، وألا تفرط في عبارات أشبه بقطعة تعبير تزيد على أكثر من 5 أسطر حتى إنه ليخال إليك أنك تقرأ أشعارا وترانيم بدلا من قطعة تكريم!

أختم بقصة حدثت شخصيا أمام ناظري في المركز التعليمي في بريطانيا، حين انقضى العام وجريا على العادة جاء وقت التكريم، فدعي إلى الحفل كل المستفيدين ومن ضمنهم مديرة المدرسة الإنجليزية في الحي، والتي فاجأتها لجنة التكريم بدرع من النوع طيب الذكر أعلاه، الأمر الذي جعلها تشهق شهقة ما زالت حاضرة في ذهني إلى الآن وهي تردد:

?Is this for me

هل هذا لي؟

?What did I do to have this

ما الذي فعلته لأنال هذا الدرع؟

حينها وحينها فقط كان السكوت سيد الموقف، وكان الصمت في حرم الكسيفة أكبر من الكسيفة!