محمد أحمد بابا

نفَسي انقطَع

السبت - 20 أبريل 2019

Sat - 20 Apr 2019

ما نعبر عنه بقولنا (نَفَسي انقطَع) يوحي بكثير من التدقيق والتمحيص في أهمية التنفس للبقاء على قيد الحياة أو على الأقل مواصلة التصرفات الآدمية العادية بصورة طبيعية.

والأطباء يحرصون على اكتساب المهارات والسلوكيات الجديدة في مجال التعامل مع طوارئ التنفس لدى المصابين رغبة في سرعة الإنقاذ. والعامي قبل المثقف يؤمن بأهمية تلاحق الأنفاس حتى أثناء النوم لإثبات الحياة.

وصعود الدرج في المباني العالية عند إغلاق صاحب العمارة للمصعد ليجبر السكان على دفع المتأخرات يؤدي في آخر المطاف وقبل إدراج المفتاح في باب الشقة لفتحها بأن يقول الواحد منا لمن يسلم عليه انقطَعَ نفَسي.

وليس من قبيل العبث وجود أخصائيين في النوادي الرياضية لتتابع أنفاس اللاعبين أثناء التمارين، وتحاول أن تضع برامج تزيد من لياقة اللاعب تنفسيا في نسق مقبول يمكنه من مواصلة الشوطين والأشواط الإضافية.

وكثيرة هي النصائح الطبية المتعلقة بأضرار التدخين بشتى وسائله وطرقه للاستمتاع بتنفس طبيعي يرافق الإنسان طيلة حياته، ويعكف كذلك الباحثون في أسرار الجو والفضاء على دراسات واستكشافات لعوامل غازية ومناخية يتعرض لها الجهاز التنفسي تؤدي إلى قصور فيه أو وعكات صحية تفرض على الأنفاس أن تتغير عن المعدل الطبيعي صعودا أو هبوطا.

أما الإسعافات الأولية التي درج عليها المدربون منذ أن سمعنا بهذه المهنة في بدايات حياتنا فتهتم (بالإنعاش) للمتعرضين للكوارث المتصلة بالجهاز التنفسي، فلا تخلو ورقة إرشادية من صورة توضح استعادة أنفاس الغريق أو الخارج من اختناقات دخان الحرائق وغيرها، الأمر الذي وضع هذا النوع في مقدمة الميزات التي لا نجدها في غيره من أنواع الإغاثات أو الإنقاذ.

وارتباط تحقيق معدلات قياسية في التحكم بطول النفَس بالتدريب والمحاولة والتمرين فرض نفسه واقعا معاشا على جميع الأصعدة التنفسية، فكم من قارئ للقرآن لم يستطع أن يبلغ ما بلغه سابقون، وكم من شاعر لديه محصول كبير واحتياطي زاخر من اللغويات لم يستطع أن يصل إلى ما وصل إليه امرؤ القيس ونظراؤه في معلقاتهم وطول نفَسِهم المعنوي في استحضار الأبيات الشعرية كما وكيفا.

لكن المؤثرات الخارجية على أنفاس الناس كثيرة ومتراكمة، والأسباب الداعية لقصور في الأنفاس معنويا وحسيا متعاقبة، فالخوف والترقب والمفاجآت والفرح والحزن والمصائب والمسرات والأمراض والفشل والفوز والخسارة كلها تأخذ من النفس الواحد في الجزء من الثانية أمدا بعيدا وصفة قد لا تشابهها صفة أخرى في موقف آخر.

وما أكد لي أهمية الأنفاس والحصول على أجواء نقية يختزنها الجهاز التنفسي للإنسان من خلال أنفه أو فمه ما ابتكرته كوريا الجنوبية من أجهزة أسمت الواحد منها (الشجرة العملاقة)، حيث يقوم هذا الجهاز بنفس العمل الذي تقوم به الأشجار من إفراز للأكسجين وسحب ثاني أكسيد الكربون على عكس ما يفعله الإنسان في عملية تكاملية معقدة، وقيل عن كل جهاز إنه يعادل مفعول ألف شجرة تقريبا.

وأهل الجنوب الشرقي الآسيوي يرغبون في المحافظة على هدوء أنفاسهم كما تعودوا على هدوء في كلامهم وانفعالاتهم، ونحن هنا بطبيعة أعدادنا القليلة مقارنة بهم وبمساحات دولنا نعاني من مشاكل تنفسية كبيرة وقلق واضح وخطير في أنفاسنا صباح مساء يجعل التنبؤ بالمستقبل محيرا.

وخير دليل على ذلك التعبير المتكرر الذي نستخدمه في الانتظار أو المراقبة بقولنا (هذا أمر يحبس الأنفاس) وكذلك عند تعبيرنا عن الملل من أشخاص، حيث نقول (لقد كتم على أنفاسنا)، وهناك من الآمرين والناهين من يوجه التهديد لمن هو مسؤول عنهم بقوله (ولا نَفَسْ) بلهجة توحي برغبته في التحكم حتى في الرئتين، وليس الحال بغريب على مجتمعنا حين كنا قد تعودنا على استخدام النفس كوسيلة لانتظار موت المحتضر حين نقول (هل ما زال يتنفس)؟

فهل سنجد من حراكنا الثقافي والاجتماعي ما يعنى بأنفاسنا المعنوية وإنقاذها ووضع حلول عملية ومناسبة عند تعرضها للإصابة على غرار ما يهتم به أطباء الطوارئ وجمعيات الإنقاذ، لنستطيع بذلك الاستمرار دون انقطاع؟

albabamohamad@