حسن علي القحطاني

أخيرا.. ليبيا تعود

السبت - 20 أبريل 2019

Sat - 20 Apr 2019

مع أولى الصور التي خرجت لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس، قلت في نفسي وقتها: ليت هذه الخطوة تقدمت، فثمان سنوات مضت كانت كفيلة بإنقاذ ليبيا وشعب ليبيا الشقيق، وكانت كافية لصنع وفاق حقيقي بين كل مكونات المجتمع الليبي الحالم بعودة وطنه آمنا قويا يعيش فيه برخاء، في ظل عمل الأجهزة الشرعية والرسمية للدولة دون وصاية من أحد.

إن توغل الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون في المشهد الليبي دمر ما تبقى من مؤسساتها وأفقدها مصداقيتها وهيبتها، وأعاد إحياء موجة العنصرية بين القبائل، وصعد العنف اللفظي المتبادل بين سكان شرق وغرب ليبيا (ما يعرف محليا بمتلازمة الشراقة والغرابة)، وكف يد العدالة بتعطيل مؤسسات القضاء، فتزاحمت القرارات على مكتب النائب العام الليبي أو في أدراج ديوان المحاسبة، ومكن عشرات المسؤولين الليبيين الفاسدين ولصوص المال العام من أمراء وتجار الحرب الوافدين من التمادي في تمزيق جسد البلاد المنهكة، ونهب ممنهج لثروات ليبيا النفطية دون حسيب ولا رقيب، وسمح لدول كإيطاليا وتركيا وقطر بتحويل ليبيا لبيئة حاضنة لأخطر المشاريع السياسية أو التنظيمات الإرهابية.

السلطة الحاكمة في تركيا وقطر عملت ولا زالت تعمل على استراتيجية تخدم مشاريعها من خلال تفريق الليبيين وشراء الولاء المؤقت لبعضهم عبر ضخها المستمر للأموال والسلاح وإرسال المقاتلين وتدريبهم وتجنيد المرتزقة من كل الدول، وتستميت لتأجيج الصراع بين الليبيين من خلال منابرها الإعلامية وتحديدا قناة الجزيرة والعربي والمواقع التابعة لها أو من خلال المجندين بمالها في وسائل الإعلام الأخرى عربيا أو عالميا، مثلما تؤجج الانقسام بين الفلسطينيين بدعم لا محدود لحركة حماس المتمرد على الشرعية الفلسطينية، إلا أن دعمها لحماس مستثمر بشكل مباشر أو غير مباشر لخدمة الكيان الصهيوني المحتل، فتغيير قاموس النضال الفلسطيني من مفهوم المقاومة إلى دائرة الإرهاب بشكل غير نزيه لكنه أقنع قدرا غير ضئيل من الرأي العام الدولي، ونجح في نقل القضية الفلسطينية من طبيعتها الإنسانية التي يقاوم فيها أصحاب الأرض محتلا، إلى مظهرها الديني الذي تحارب فيه جماعة متطرفة دينا آخر؛ رسخ اليهودية لدى الرأي العام كدين مضطهد، ولطالما سعت إسرائيل لنقل المعركة إلى هذا الحيز الذي يمكن أن حجتها فيه قوية، أما في ليبيا فيبدو أن المشروع أكبر وأخطر، وأن الهدف منه يبدأ منها ولا يعلم أحد أين ينتهي، والأيام القادمة كفيلة بتأكيد أن مشروع بناء الجيش الوطني الليبي في المنطقة الشرقية، واستجابته لتحرير العاصمة طرابلس وكل المنطقة الغربية من ميليشيات داعش والإخوان وتجار الحرب والسلاح أجهضت المشروع القطري التركي الذي قد يؤدي نجاحه لأن نشهد ويشهد العالم نوعا جديدا من الفكر الاستعماري.

أخيرا، النخبة السياسية والثقافية انشغلت أو ربما شغلت عمدا بجدلية حلم الحكم الديمقراطي وفوبيا فرضية حكم الجيش، وخوف وقلق النخب الليبية من عسكرة الدولة غير مستنكر، وسعيها من أجل سيادة دولة مدنية حق مشروع، ولكن لتتمكن من إقامة دولة مدنية تريد أولا أن تعيش ولا تذبح من قبل هذا التيار القائم على ثقافة أيديولوجيا الميليشيات الفاسدة المحاربة لجيشها الوطني، لأنها لا تستطيع أن تدافع برؤوس مقطوعة أو مندسة في الرمل. حفظ الله ليبيا والشعب الليبي الشقيق.

@hq22222