هل حزنت اليوم على حريق الكاتدرائية؟!
الأربعاء - 17 أبريل 2019
Wed - 17 Apr 2019
ثم إنني أيها الناس بعد أن احترقت الكاتدرائية الشهيرة في باريس قررت أن أحزن. حزنت لأني لم أحزن، ولم أجد مشهد الحريق باعثا على الأسى، ووجدت أن عدم حزني مشكلة كبيرة ستوقعني في حرج أكبر، فكيف سأبدو ـ أمام نفسي على الأقل ـ مثقفا مهتما بالتراث الإنساني، وأنا أمارس حياتي بشكل اعتيادي بعد أن أسقطت النيران صليب الكنيسة الشهيرة.
أحد الأصدقاء وبخني على عدم حزني، وقال لي في لهجة لا تخلو من الغضب: مع أني أعرفك جيدا إلا أن بعض قناعاتك تجعلك تبدو صحويا أكثر من الصحويين أنفسهم. حاولت تناسي حزني قليلا والتفرغ لغضبي، فأنا أكره التصنيف إضافة إلى كراهيتي للاستنتاجات البلهاء التي تفترض أمرا بناء على معلومة غير صحيحة من الأساس.
واستخدام المنطق في الإقناع والحوار يبدو نظريا شيئا جيدا، لكنه في الواقع يصبح أكثر استفزازا حين يواجه بالحجة الدامغة الشهيرة (حتى ولو)، التي لا يصمد أمامها أي منطق.
حاولت إقناع صديقي بأن الفكرة سهلة وليست معقدة كثيرا. لو استشارني إرهابي ما ـ من أصدقائي الإرهابيين ـ وقال إنه يريد أن يحرق الكنيسة لنهرته وعنفته وبلغت عنه جميع أقسام الشرطة وإدارات المباحث والاستخبارات في كوكب الأرض، لكن هذا لا يعني أني حزنت حين رأيتها تحترق، وكوني لم أحزن لا يعني أني فرحت. كان الأمر بالنسبة لي بمثابة نتيجة مباراة في الدوري السلفادوري.
ربما لأني أصبحت أكثر تبلدا، ولو حدث الأمر في وقت مضى لتأثرت قليلا ربما بسب «أحدب نوتردام»، أما الآن فلم أعد أكترث كثيرا لا بالأحدب ولا بنوتردام.
ومع أني لم أحزن إلا أنني أحترم الحزن كثيرا، وهو مثل أي شيء آخر، يفقد معناه حين يكون ادعاء، يصبح سمجا حين لا يكون حقيقيا، وكثيرون من الحزانى في هذه الحادثة لم يسمعوا بالكنيسة ولا يعرفون عنها أي شيء، ولم يكونوا قبل الحريق يعرفون هل فيكتور هوجو روائي أم ظهير أيمن في فريق باريس سان جيرمان.
والبعض تحدث عنها كإرث إنساني، والحقيقة أن كثيرين ممن يتحدثون عن الإرث الإنساني والحضاري لا يأتون على ذكر المساجد حين يتحدثون بنشوة عن الحضارات وإرث الإنسان، مع أنه قد تم تدمير مساجد أثرية أقدم من الكنيسة ومحيت من على وجه الأرض، وبفعل فاعل وليس في حوادث عرضية. وبالمناسبة فإني أيضا لم أحزن على المساجد، وهذا أمر اشتركت فيه مع شبيحة «الإرث الإنساني». وفرت أحزاني للتعاطف مع البشر الذين اختفوا تحت الأنقاض، أما الأنقاض ذاتها فقد أجلت حزني عليها، ففي هذا العصر الذي ترخص فيه الدماء فإنه ليس من المناسب الحزن على أي شيء آخر.
وإذا كان هدم الكعبة حجرا حجرا، وهي أقدس مكان في الكون، أهون على الله من إراقة دم مسلم، فإن الحزن على الحجارة في هذا العصر ليس سوى ترف مبالغ فيه.
وعلى أي حال..
قد يتأكد البعض ـ أو الكثير ـ من شكوكه بأني متخلف ورجعي، وربما غبي لأني لم أشاركهم حزنهم المستعمل، وأنا لا أريد أن أنفي هذا ولا أثبته، كل ما في الأمر أني أحب ـ أحيانا ـ أن أكتب ما أؤمن به، حتى وإن لم يكن مواكبا للموضة.
agrni@
أحد الأصدقاء وبخني على عدم حزني، وقال لي في لهجة لا تخلو من الغضب: مع أني أعرفك جيدا إلا أن بعض قناعاتك تجعلك تبدو صحويا أكثر من الصحويين أنفسهم. حاولت تناسي حزني قليلا والتفرغ لغضبي، فأنا أكره التصنيف إضافة إلى كراهيتي للاستنتاجات البلهاء التي تفترض أمرا بناء على معلومة غير صحيحة من الأساس.
واستخدام المنطق في الإقناع والحوار يبدو نظريا شيئا جيدا، لكنه في الواقع يصبح أكثر استفزازا حين يواجه بالحجة الدامغة الشهيرة (حتى ولو)، التي لا يصمد أمامها أي منطق.
حاولت إقناع صديقي بأن الفكرة سهلة وليست معقدة كثيرا. لو استشارني إرهابي ما ـ من أصدقائي الإرهابيين ـ وقال إنه يريد أن يحرق الكنيسة لنهرته وعنفته وبلغت عنه جميع أقسام الشرطة وإدارات المباحث والاستخبارات في كوكب الأرض، لكن هذا لا يعني أني حزنت حين رأيتها تحترق، وكوني لم أحزن لا يعني أني فرحت. كان الأمر بالنسبة لي بمثابة نتيجة مباراة في الدوري السلفادوري.
ربما لأني أصبحت أكثر تبلدا، ولو حدث الأمر في وقت مضى لتأثرت قليلا ربما بسب «أحدب نوتردام»، أما الآن فلم أعد أكترث كثيرا لا بالأحدب ولا بنوتردام.
ومع أني لم أحزن إلا أنني أحترم الحزن كثيرا، وهو مثل أي شيء آخر، يفقد معناه حين يكون ادعاء، يصبح سمجا حين لا يكون حقيقيا، وكثيرون من الحزانى في هذه الحادثة لم يسمعوا بالكنيسة ولا يعرفون عنها أي شيء، ولم يكونوا قبل الحريق يعرفون هل فيكتور هوجو روائي أم ظهير أيمن في فريق باريس سان جيرمان.
والبعض تحدث عنها كإرث إنساني، والحقيقة أن كثيرين ممن يتحدثون عن الإرث الإنساني والحضاري لا يأتون على ذكر المساجد حين يتحدثون بنشوة عن الحضارات وإرث الإنسان، مع أنه قد تم تدمير مساجد أثرية أقدم من الكنيسة ومحيت من على وجه الأرض، وبفعل فاعل وليس في حوادث عرضية. وبالمناسبة فإني أيضا لم أحزن على المساجد، وهذا أمر اشتركت فيه مع شبيحة «الإرث الإنساني». وفرت أحزاني للتعاطف مع البشر الذين اختفوا تحت الأنقاض، أما الأنقاض ذاتها فقد أجلت حزني عليها، ففي هذا العصر الذي ترخص فيه الدماء فإنه ليس من المناسب الحزن على أي شيء آخر.
وإذا كان هدم الكعبة حجرا حجرا، وهي أقدس مكان في الكون، أهون على الله من إراقة دم مسلم، فإن الحزن على الحجارة في هذا العصر ليس سوى ترف مبالغ فيه.
وعلى أي حال..
قد يتأكد البعض ـ أو الكثير ـ من شكوكه بأني متخلف ورجعي، وربما غبي لأني لم أشاركهم حزنهم المستعمل، وأنا لا أريد أن أنفي هذا ولا أثبته، كل ما في الأمر أني أحب ـ أحيانا ـ أن أكتب ما أؤمن به، حتى وإن لم يكن مواكبا للموضة.
agrni@