ياسر عمر سندي

الخسارة الرابحة

الأربعاء - 17 أبريل 2019

Wed - 17 Apr 2019

لا يمر على الإنسان يوم إلا وقد عانى فيه من أمرين، الأول أمر يعز عليه ويهمه، والثاني يزيده هما فوق همه، وذلك على مختلف مقتضيات الحياة وما يعتريها من مشاكل. وأحيانا يجد الشخص نفسه قد استجمع حصيلة كبيرة في آخر يومه من التراكمات والخبرات تجعله مخزنا مليئا بمواقف وأزمات مختلطة إيجابية أو سلبية أو خليط بين هذه وتلك، وفي هذه الحالة، أي الحصيلة المختلطة، يبرز الذكاء الوجداني للإنسان، والذي أعتبره تصرفا شعوريا ولا شعوريا رفيع المستوى يجعل الفرد يتأرجح بين ما لديه من خبرات سابقة وما سيواجه أو واجه حقا من صدمات ليخرج في المحصلة النهائية بمعالجة موقفية أخيرة لأمر ما.

وأعتبر أن مخرجات تلك التراكمات ما هي إلا دروس مستفادة ومنقولة تصقل الإنسان وتعيد تشكيل خارطة تفكيره وسلوكه، ليتعامل معها كخبرة مستقبلية جديدة يسخرها لمواقف مشابهة ليتوصل إلى حل مباشر أو أنه ينقل تلك الخبرة لآخرين يستفيدون منها بطريقة غير مباشرة كالنصائح والاستشارات والدورات، وفي كل الأحوال أعتبر ذلك مكسبا استراتيجيا رهيبا يستمر في الذهن ويعلق في الذاكرة البعيدة والقريبة، ويستطيع العقل تفنيد ذلك واستدعاءه وتحويله من خسارة إلى ربح بترجمتها وتحويلها ومن ثم تسجيلها في خانة الأرباح.

وللخسارة بالمقياس البشري خمسة أنواع رئيسة، وهي فقد الأبناء والصحة والمال والعمل والعلم، وسأوضح ذلك بأمثلة لكل نوع. ربما يفقد الأبوان فلذة كبدهما وقرة أعينهما، ولا شك أن هذا الفقد مؤلم جدا، ويصعب على البشر تحمل تلك الخسارة لأنها مصاب جلل وغير محتمل. وإذا ما أعيدت البرمجة الذهنية واطمأنت النفس البشرية من جزعها بعد الصدمة واستشرف الأبوان ربح العطايا الربانية بعد المصيبة والخير الكامن في طياتها لوجدا أنها مكسب وفير وربح كبير بميزان الكرم الرباني، وليس ميزان البشر الوجداني، بالنظر في باطن هذه الخسارة وما بها من ربح عظيم، قال تعالى «وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا (80) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما (81). الكهف.

وإذا نظرنا أيضا لشخص ما وقد فقد بعضا من قوته أو جميعها وابتلاه الله في صحته، خاصة في شبابه وعنفوانه، فقد يحسبها خسارة عظيمة وهي له خير كبير في الدنيا والآخرة. عن أنس قال: سمعت رسول الله يقول: إن الله قال «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة. و»حبيبتيه» يعني عينيه.

وأما الخسارة الثالثة مما يزيد هم الإنسان ويهمه فهي فتنة المال، فتجميعه شهوة وخسارته عليه قسوة، وفي المثل يقال عند العرب «المال عديل الروح» أي يوازيها في الأهمية والمكانة. وفقد المال وخسارته خير يعوض بطريقة غير مباشرة من لدن رازق كريم. قال تعالى مبشرا لمن نقص ماله أو خسره «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين» البقرة 155، وهنالك الفقد الرابع وهو خسارة الوظيفة وتركها بأي شكل مثل الفصل أو الاستغناء أو التقاعد، فإن الله عز وجل سيكفيه ويغنيه، قال تعالى «أليس الله بكاف عبده» الزمر 36.

أما خسارة العلم، سواء بعضه أو كله، تعتبر من الخسائر الدنيوية العظيمة، وإذا لم تتح الفرصة لشخص لإكمال تعليمه فلينظر بطريقة ناجحة لتعويض ذلك، وأن يجعل من النار نورا ومن الحزن سرورا بشغل ذاته بأمور ترفع من درجة وعيه ومعرفته، وليستثمر طاقته لإعلاء شأنه من تعلم حرفة أو إتقان هواية وحضور دورة.

إعادة النظر مرارا وتكرارا بكيفية وزن الخسارة مقابل الربح حينما نفقد شيئا ماديا أو معنويا نجعل له قيمة والقيمة التي أعنيها هنا ليست السعر ولكن بالتقييم والتقدير العقلاني ووزن الخبرات المكتسبة ومزجها بقوة الإرادة وحسن الإدارة، والإيمان يقينا بأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك.

@Yos123Omar