عبدالله المزهر

ريان.. الإعدادات الفطرية للإنسان...!

الأربعاء - 10 أبريل 2019

Wed - 10 Apr 2019

الأشخاص الذين يضحون من أجل الآخرين أشخاص يربكونني. أقف أمامهم في منتصف الطريق، لا أعلم هل أحقد عليهم لأنهم يشعرونني بضآلتي، أم هل يفترض أن أكون سعيدا بوجودهم في الحياة، وأني على الأقل عشت زمنا لا زال فيه بشر حقيقيون حتى وإن كانوا قلة يمرون في حياتنا كومضات. يمرون في حياتنا كما تفعل الشهب التي تضيء لكنها تمر سريعا، أسرع من أن نستطيع التعرف على ملامحها.

وأنا أتحدث عن التضحية بشكل عام. التضحية بأي شيء، بالوقت، بالمال، بالصحة، بالحرية، بالعمل من أجل الآخرين دون انتظار للمقابل. هكذا فقط، حبا في العطاء، متعتهم في توزيع السعادة وليس في البحث عنها.

لكن التضحية بالحياة مستوى آخر يصعب علي وعلى أمثالي من الأنانيين المتشبثين بالحياة أن نفهمه. أن تضحي بحياتك من أجل حياة إنسان آخر فأنت تبلغ أعلى مراتب البشرية والآدمية. إنه المستوى الأعلى الذي خلق الإنسان ليكونه. وأظنه الضبط المصنعي لإعدادات الإنسان السوي، والذي يتم التلاعب به وتغييره بعد انتهاء الطفولة مباشرة.

يكاد يكون ملاكا ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يحافظ على إعداداته الفطرية، خاصة في هذا العصر الأناني المادي الجشع الذي يبدو فيه الجميع مستعدا للدهس على الجميع من أجل حياته وحده.

ريان العيتاني، المتطوع في فريق السلام السعودي للبحث والإنقاذ آخر هذه العينات النادرة من البشر. ليس وحيدا ولكنه حالة تخصنا لأنه منا، لأنه أحدنا. قد تلتقيه في الشارع أو في المطعم أو في العمل دون أن تعلم أنه واحد من قاهري الأنانية المهددين بالانقراض.

ريان ـ رحمه الله ـ فقد حياته أثناء محاولة إنقاذ طفل لا يعرفه وقع في مجرى أحد الأودية. وأنت تتأمل قصته فكر قليلا في كل الأشياء التي تقاتل من أجلها والتي تكره الآخرين بسببها، وفي حرصك على أن تمتلك كل شيء، وأن تتمسك بكل ما تملك وأن تبحث عن المزيد، ثم تخيل أن بشرا مثلك قد يضحي بالحياة، وهي وعاء كل الأشياء التي تقاتل من أجلها من أجل أن ينقذ حياة أخرى، وستكتشف ـ مثلما اكتشفت ـ أن كل حروبنا تافهة لا معنى لها.

وعلى أي حال..

رحم الله ريان وغفر له، ورحمنا نحن التائهين في درب الحياة، الظانين أن أشياءنا التافهة أقدس من أن تمس، المعتقدين جهلا أن الحياة غاية كل شيء، وأن الموت نهاية كل شيء.. والسلام!

agrni@