عبدالغني القش

المستشفيات الأهلية.. انغلاق وغياب آلية!

الجمعة - 05 أبريل 2019

Fri - 05 Apr 2019

‏كان من المفترض أن يكون مقال اليوم عن الحفاظ على الذوق العام وما صدر بشأنه مؤخرا، لكن زيارة لأحد المستشفيات الكبرى بالمدينة المنورة كانت سببا في تأجيله، فقد استأت كثيرا وخالجني شعور بالندم، وتعجبت من الوضع القائم فيه، ورأيت أنه من واجب القلم نقل ذلك، فللوهلة الأولى يبدو كأنك تدخل ثكنة عسكرية أو جهة أمنية، فالإجراءات تحاط بسرية تامة وتكتم شديد، والأمور تسير وفقا لمعطيات يصعب تخيلها، وسأسرد للقارئ تفاصيل مسرحية ‏دراماتيكية حزينة ابتداء من أول فصولها حتى مشهدها الأخير:

‏المشهد الأول: تدخل المستشفى فتدفع كشفية عالية متوقعا العلاج سريعا، ولكن هيهات، فالمتاهة قادمة لتعيش فصول مسرحية تدهشك بمشاهدها المؤلمة، تبدأ في السؤال عن موقع العيادة لتذهب وتفاجأ ببوابة موصدة ويقف أماها حارسا أمن، وتنتظر إلى حين أن تفتح.

‏المشهد الثاني: نفتح البوابة - التي سرعان ما تغلق في مشهد غريب ومنظر عجيب - تخرج ممرضة، فتأخذ منك الأوراق، ولا معلومة بعد ذلك، حتى إنك لا تعلم هل الطبيب الذي تريد موجود أم لا، إذ يوجد خلف تلك البوابة ثمان عيادات!

‏تنتظر واقفا - لعدم وجود أماكن خالية - لتفاجأ برجال الأمن وهم يطلبون منك وبكل قوة وعنف ألا تنتظر، ويشيرون لغرفة الانتظار، وعند رؤيتهم لها وقد امتلأت يعتذرون إليك ويقولون نحن مأمورون!

‏المشهد الثالث: تتخيل كأنك في أحد المزادات، فالممرضة تفتح البوابة لثوان معدودة لتنادي على الأسماء في صورة من صور التخلف، بعيدا عن استخدام التقنية الحديثة وكأننا نعيش قبل عقود!

‏مع الأسف هناك شاشات تلفزيونية لكنها مغلقة وهناك شاشات صغيرة لكنها معطلة، وعند السؤال تبين أنها كذلك منذ أشهر عديدة!

‏وللإنصاف هناك لافتات عديدة وكتب فيها أرقام جوالات تتيح للجميع الاتصال والشكوى، هاتفت رئيس مجلس الإدارة الذي وصلني بمدير المستشفى ونقلت له المعاناة. و‏مكثت غير بعيد لتهاتفني إحدى الأخوات وتطلب لقائي، قابلتها فأخبرتني أنها من طرف المدير فقلت لها الأمر ما ترين بعينيك، فنظرت واندهشت وشاهدت فتعجبت، ووعدت بنقل ذلك كله للمدير، وحينها طلبت منها أن تنقل له عتبي على عدم حضوره ليشاهد لا ليسمع!

‏تتواصل المشاهد ليأتي مدير العلاقات الذي أيضا أبدى اندهاشه، واصطحبني لمدير العيادات الخارجية الذي لم يحرك ساكنا. بعد نحو ثلاث ساعات يأتي الفصل ما قبل الأخير، حيث يقتحم العيادة شخص بعد انزعاجه من طول الانتظار ويرفض الطبيب الكشف عليه بحجة وجود ‏مرضى قبله، ولكنه معذور؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الدور، فيقتاده رجال الأمن ويخرجونه من العيادة بالقوة والإجبار، في مشهد مقزز لا ينبئ عن وجود نظام مقنع ومرض!

‏وفي ختام المشاهد وبعد نحو ثلاث ساعات تدخل على الطبيب الذي أبدى مهارة كبيرة في الفحص ولكنه صرف كما كبيرا من الأدوية قدرت قيمتها ‫بأكثر من نصف ألف ريال (وصف متعمد)!

والعجيب أن المستشفى لا يمنح المريض فرصة صرف الأدوية من الخارج، فهي موجودة على النظام في صيدلية المستشفى ليكون مضطرا للشراء مهما بلغت التكاليف!

‏أضع هذه المسرحية بكامل مشاهدها وفصولها بين يدي القائمين على وزارة الصحة، وقد بدا لي أن المستشفيات الأهلية تتصرف كيف تشاء دون رقيب أو حسيب، وإلا كيف يسمح لمستشفى أن يتعامل مع المرضى بهذا الشكل غير الإنساني؟

ومع أن الناس يدفعون من أموالهم إلا أنهم لا يجدون تلك الخدمة التي ترقى لطموحاتهم وتحقق تطلعاتهم.

‏وأثق كثيرا في أنهم لا يقبلون بهذا الوضع المزري والمشهد المؤسف، وأتمنى التدخل العاجل لإنهاء المعاناة إما بتعديل الوضع أو إغلاق هذه المنشأة وغيرها من المنشآت الصحية الأهلية التي لا تتعامل بشفافية ولا يوجد لديها آلية، فهل يتحقق ذلك قريبا؟!

[email protected]