محمد النفاعي

البينوكيوري في بيئة العمل

الجمعة - 05 أبريل 2019

Fri - 05 Apr 2019

سألني أحد الزملاء عن الطريقة المثلى للتعامل مع زملاء العمل الذين لا يوفون بوعودهم! هنا تذكرت بيت شعر قاله أحمد شوقي «والمرء ليس بصادق في قوله... حتى يؤيد قوله بفعال».

قلت له ببساطة: أنت تسألني عن كيفية التعامل مع البينوكيوري! فهز رأسه متعجبا.

استطردت قائلا: بينوكيو هو الشخصية الرئيسية للرواية التاريخية التي كتبها الروائي الإيطالي كارلو كولودي عام 1880، والتي ترجمت لأكثر لغات العالم. هو فتى من الخشب صنعه نجار لم يرزق بأطفال يتميز بالأنف العجيب الذي يطول في كل مرة يكذب فيها. بعد أن دبت فيه الحياة، ارتكب كثيرا من الأخطاء، منها عدم الوفاء بالوعود قبل أن تعلمه الحياة التعامل مع الواقع. قد يكون هذا الشخص له مسبباته الخاصة، لكنه بالتأكيد لم يحسن التعامل مع وضعه المهني.

مهما يكن السبب، الكذب صفة مذمومة نهانا عنها ديننا الحنيف ويخالف المروءة لما يترتب عليه من آثار سلبية على العموم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا». هي سمة ابتلي بها قلة ونقلوها معهم إلى بيئة العمل لتحقيق مكاسب شخصية حسب مبرراتهم، بصرف النظر عن المصلحة العامة أو الخوف من الأضرار الناجمة عن ذلك كما فعل الفتى بينوكيو في قصته. الحمد الله أن القلة القليلة من هؤلاء ليسوا كالفتى «بينوكيو» وإلا لما استطاعوا يوما استخدام المصاعد للتنقل بين الأدوار!

الواقع يحتم علينا التعامل الاحترافي مع هؤلاء القلة القليلة من وقت لآخر. من صفاتهم تكرار إعطاء معلومات مغلوطة ونسبها لغيرهم. أيضا الكلام السيئ عن الأشخاص الآخرين، خاصة المنافسين لهم وتشويه إنجازاتهم أمام الآخرين. عدم الشفافية في نقل التطورات والواقع للإدارة والاتكاء على التعميم والوعود الرنانة.

من وجهة نظر شخصية هنا بعض السبل في كيفية التعامل مع البينوكيوري للخروج بأقل الخسائر ولا أقول المكاسب:

• عدم استنزاف الطاقة الإيجابية لديك ببذل الجهد لإثبات مغالطاتهم، أو لتغييرهم حتى يبادروا هم بذلك بعد إدراكهم التام بانكشاف حقيقتهم.

• عدم التقاط الطاقة السلبية، وذلك بالتحكم بردود الأفعال والتصرفات والتركيز على التعلم من هذه المواقف وتطوير مهارات الذكاء العاطفي والاجتماعي اللازمة.

• التركيز على المسار الوظيفي والاهتمام بمتطلباته والتميز فيه ووضع خطط لا تتداخل مع أهداف البينوكيوري قدر المستطاع حتى لا يكون هناك صدام مهني.

• تجنب الأحاديث الشخصية قدر المستطاع والتركيز على الاحترافية عند استشارته أو إخباره بالتطورات اليومية في العمل.

• الموافقة الفورية لاقتراحاته وتوجيهاته الشفهية حتى لا تدخل في التفاصيل التي أنت تعلم أنها مشكوكة المصدر.

• نفد التوجيهات المُوَثقة بما تقتضي مصلحة العمل وقد قيل «لا يصح إلا الصحيح».

• قدر المستطاع، اختر أن تعمل على مهام ومشاريع حدودها لا تتقاطع مع حدود البينوكيوري، وأعمال تتضمن قطاعات وأشخاص آخرين.

ختاما نقول: من الأفضل أن يستثمر الموظف الوقت والجهد في تطوير نفسه بشكل عام، لأن ذلك سينعكس إيجابيا عليه وعلى المنظومة، خاصة الموظف ذا الطموح القيادي. «دي هوك»، المؤسس والرئيس السابق لشركة فيزا إنترناشيونال، لخص نظريته في الإدارة الناجحة بقوله «إذا كنت تتطلع إلى القيادة، يجب أن تستثمر 40% على الأقل من وقتك لإدارة أخلاقياتك، وشخصيتك، ومبادئك وأهدافك ومحفزاتك وسلوكك».

@MSNABQ