ياسر عمر سندي

كذبة أبريل الصادقة

الأربعاء - 03 أبريل 2019

Wed - 03 Apr 2019

ماذا لو افترضنا جدلا بأننا لا نكذب في 11 شهرا في السنة الميلادية، ونخصص شهرا واحدا نكذب فيه أو في بدايته، هل سنكون أحسن حالا مثلا؟

سأركز على سلوكيات ثبتت عرفا وبرؤية شهود ليسوا بعدول بأن «أبريل» هو الشهر الوحيد الذي يصف غرته أغلب المخادعين مجتمعيا بأنه شهر «الكذبة الممتعة»، بل ويتوهمون ذلك حتى وصلوا في كذبهم حد التصديق.

والأدهى والأمر أن ذلك الكذب كان قديما يمارس كنوع من الرقي المجتمعي بين شرائح عدة غنية ومتوسطة الحال في العصور الوسطى. وحديثا يتم تداول الكذبة إعلاميا كالنار في الهشيم ويتضح لنا عقب تلك الحادثة وبعد التحقق منها أنها كذبة أبريل أو أن ذلك الخبر هو من صنع المغني الفلاني أو الممثلة الفلانية التي نشرته لتسجيل السبق الإعلامي، والأمثلة على تلك الأكاذيب كثيرة ومتنوعة.

وعلى المستوى التنظيمي أيضا تمارس بعض الشركات تلك الكذبة كنوع من التندر والسخرية من موظفيها، ربما للإقلال منهم أو لإنعاش حالة انخفاض أو انعدام الروح المعنوية التي تعتريهم أو إذا أحسنا الظن لإزاحة أفكارهم السوداوية، وتفكيك نظرية المؤامرة لديهم جراء سلسلة من القرارات والتخبطات التي صنعتها لهم الشركة.

انتقلت تلك الكذبة المهاجرة إلى منطقتنا العربية عبر القرون، ويقال إن أول شرارة لانطلاقها كانت من فرنسا في القرن 15 م، ثم انتقلت إلى إنجلترا بعدها بقرن وهي أكثر الشعوب التي مارست كذبة أبريل. وأرى شخصيا أن سبب انتشارها في العالم وبين الدول الآسيوية وبعض الدول العربية هو التوسع الإنجليزي وغزوه لشعوب ودول عدة من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، وانتقلت معه هذه الثقافة البائسة كإحدى الثقافات غير المستحبة التي نقلتها دول الاستعمار للتمكن من بساطة عقليات الشعوب آنذاك وتوجيههم كيفما أرادت، بممارسة الفكاهة عليهم لاستباحة خيراتهم ونشر الفوضى والإشاعات بينهم من مبدأ «فرق تسد».

ولماذا تحديدا في مطلع شهر أبريل؟ أعتقد لميزة مناخية وهي اعتدال الطقس ودخول فصل الربيع وانتهاء حالة انخفاض درجات الحرارة من نزول الثلوج وهطول الأمطار، والتي كانت تعوقهم نوعا ما في ممارسة أنواع الضغوطات السياسية التوسعية الأخرى، فتطلق تلك الأكاذيب المصطنعة لتفكيك النسيج المجتمعي وتمكن المستعمر من خيرات البلاد والعباد المستهدفين.

من وجهة نظري السلوكية ومن خلال تتبعي لبعض المتأثرين بهذه العادة السيئة، خاصة في المجتمعات العربية، أجد أنهم يمارسون إسقاطات نفسية يطرحونها بأسلوب فكاهي مغلف بالمقالب وبعدة أساليب كالكذب المصاحب للتخويف أو الترهيب، وإرسال أخبار مرعبة أو مواعيد مكذوبة وإشاعات مغلوطة، وغيرها كثير من الأكاذيب التي يطلقونها متبنين هذه التقليعة كل عام، سواء من شخص لآخر بطريقة فردية أو من شخص تجاه مجموعة أو من خلال امرأة تجاه قريباتها أو إحدى صديقاتها، ما هي إلا بث لمكنون نفسي لا شعوري عميق، وهو كما

أسلفت إسقاط سلوكي على من يرغبون إما سلبا أو إيجابا متذرعين بأنها مجرد مقلب فكاهي لعكس درجة المحبة أو الكره.

مثلا يطلق شخص كذبة على صديقه بأنه قد تم فصله من عمله أو أنه أصيب في حادث ما، وهو يقصد بذلك إسقاط الصدق اللا شعوري على صديقه خلف كذبة أبريل، أو أن تلك السيدة تعلن خبر زواج صديقتها من ذلك الشخص الثري أو الوسيم أو المشهور إعلاميا، ولكنها تنشر الكذبة وتخالجها الرغبة في تحقيقها على ذاتها هي، ولكن تسقطها على صديقتها بطريقة التحويل النفسي وما يسمى في علم النفس بالحيلة الدفاعية، والتي ترى صداها على الغير لتهدئة اضطرابها الكامن. نجد أيضا بعض المديرين ومسؤولي الشركات يطلقون بعض الإشاعات المحفوفة بالغموض الإداري والتنظيمي على الموظفين، بأنه بداية شهر أبريل سيكون هنالك حدث هام، لجس نبض عامة الموظفين وتوجيههم لأمر تريد الإدارة العليا طرحه وتمرير أجندتها خلف هذه الإشاعة المكذوبة.

لذلك أعتبر شهر أبريل صاحب الكذبة الصادقة، وغيره من الشهور أصفها بالصدق الكاذب.

قال عليه الصلاة والسلام في شاهد الحديث (وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا) متفق عليه.

@Yos123Omar