في حرب الإعلام، لا تواجه مدفعا بهراوة...!
سنابل موقوتة
سنابل موقوتة
الثلاثاء - 02 أبريل 2019
Tue - 02 Apr 2019
جرت العادة ألا أتعاطف مع أحد، وقد جربت الأنانية فوجدت أنها لذيذة ممتعة، ولكن مما يؤسف له أني بدأت أشعر بشيء من التعاطف هذه الأيام مع الإعلاميين والصحفيين مع أني لست منهم، وتعاطفي يدل على أنهم وصلوا مرحلة متقدمة من البؤس والشقاء تستحق حتى شفقة الأنانيين أمثالي.
والحقيقة ـ التي لا يعرفها غيري بالطبع ـ أن جزءا من أسباب شقاء الصحفيين وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس يتحملها الصحفيون أنفسهم ومؤسساتهم الإعلامية. وجزء آخر تتحمله وزارتهم، وجزء مهم تتحمله جهات أخرى تبحث عن إعلانات على هيئة آراء، وتسويق لما لا يسوق، ومنافذ لبيع الوهم، وهذا فن يجيده نجوم وسائل التواصل، ـ 99.99 منهم حتى لا نقع في فخ التعميم ـ وهؤلاء لا مشكلة لديهم في أن يتحدثوا مطولا في منصاتهم عن أي شيء وبأي طريقة، لن يجدوا حرجا في القول إن وزارة الإسكان ـ على سبيل المثال ـ تحارب وباء حمى الوادي المتصدع، وأن وزارة الحج والعمرة تستخرج النفط وتبيعه. ادفع وسيقولون ما تريد، وسيقولونه بطريقة المنبهر الذي اكتشف تلك المعلومات بنفسه وأنه لم يصدقها حتى رأى بعينيه حفارات النفط في حوش وزارة الإسكان، وشاهد بذات العينين هيئة الترفيه وهي تراقب أسعار البطيخ، وهيئة الرياضة تسمح ببناء الملاحق، وإذا لم تصدق « فاسحب الشاشة للأعلى».
وأنا لا ألومهم بالطبع فهؤلاء لديهم بضاعة ويسوقونها، ونوعية المشتري ليست مشكلتهم ولا هاجسهم الذي يستحقون اللوم عليه، وقد يقول قائل إن هؤلاء هم الأكثر انتشارا وأن استخدامهم في التسويق أمر منطقي ومقبول، ولا مشكلة عندي في هذا الرأي ووجاهته، لكني أقول ببساطة إني لا أثق في شخص أعلم أنه يقرأ رأيه من ورقة ويحفظه قبل أن يخرج على الناس ليخبرهم أنه متفاجئ مما شاهد ويتقمص دور الذي يقول ذلك لوجه الله لا ينتظر جزاء ولا شكورا. وهذا بالتالي يجعلني لا أثق في الجهة التي استخدمته ولا فيما تريد أن تسوقه على الناس.
الصحافة والصحفيون ومؤسساتهم والمسؤولون عن الإعلام عموما يتحملون جزءا مهما من أسباب هذا التهميش الذي تتعرض له الصحافة، لأن النظرة لدى المتلقي حتى قبل وسائل التواصل أن الإعلام لا يقول الحقيقة، المصداقية أمر لا يمكن أن يبنى دون وجود مساحة من الحرية تتيح للإعلامي أن يتحرك فيها، وأن تكون مساحة النقد مساوية لمساحة الإشادة والمديح، لأن المديح والإشادة بالأشخاص والجهات التي لا يمكن انتقادها يكون دائما محل شك لدى المتلقي، الذي هو الهدف النهائي لكل وسائل الإعلام القديمة والجديدة وما بينهما. تكون الإشادة بعمل ما أقوى وأكثر مصداقية حين يكون متاحا للصحفي أو الإعلامي أو الكاتب أن ينتقد ذات العمل دون تبعات. ولا أعلم كيف يمكن أن تنزعج الصحافة من مشاهير التواصل الذين لا يقولون إلا ما يطلب منهم مع أنها هي نفسها لا تفعل إلا هذا.
وعلى أي حال ..
الإعلام هو سلاح القرن الجديد الأكثر فعالية، ولا يمكن مواجهة مدفع بهراوة، ولا يمكن أن يكون الإعلام فعالا ومؤثرا وهو مكبل بالخطوط الحمراء، لا يمكن تصور فكرة أن يكون لإعلامنا تأثير خارجي ونحن لا نصدقه في الداخل، والحقيقة أننا يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ونقول الأشياء كما هي، وأن نعترف بالمشكلة ونواجهها، مع أنه لا مشكلة لدي في الخيار الآخر وهو أن نستمر في خداع أنفسنا وبأن «الأمور طيبة» وأن إعلامنا هو الأقوى والأفضل والأنجح والأنضج.
@agrni
والحقيقة ـ التي لا يعرفها غيري بالطبع ـ أن جزءا من أسباب شقاء الصحفيين وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس يتحملها الصحفيون أنفسهم ومؤسساتهم الإعلامية. وجزء آخر تتحمله وزارتهم، وجزء مهم تتحمله جهات أخرى تبحث عن إعلانات على هيئة آراء، وتسويق لما لا يسوق، ومنافذ لبيع الوهم، وهذا فن يجيده نجوم وسائل التواصل، ـ 99.99 منهم حتى لا نقع في فخ التعميم ـ وهؤلاء لا مشكلة لديهم في أن يتحدثوا مطولا في منصاتهم عن أي شيء وبأي طريقة، لن يجدوا حرجا في القول إن وزارة الإسكان ـ على سبيل المثال ـ تحارب وباء حمى الوادي المتصدع، وأن وزارة الحج والعمرة تستخرج النفط وتبيعه. ادفع وسيقولون ما تريد، وسيقولونه بطريقة المنبهر الذي اكتشف تلك المعلومات بنفسه وأنه لم يصدقها حتى رأى بعينيه حفارات النفط في حوش وزارة الإسكان، وشاهد بذات العينين هيئة الترفيه وهي تراقب أسعار البطيخ، وهيئة الرياضة تسمح ببناء الملاحق، وإذا لم تصدق « فاسحب الشاشة للأعلى».
وأنا لا ألومهم بالطبع فهؤلاء لديهم بضاعة ويسوقونها، ونوعية المشتري ليست مشكلتهم ولا هاجسهم الذي يستحقون اللوم عليه، وقد يقول قائل إن هؤلاء هم الأكثر انتشارا وأن استخدامهم في التسويق أمر منطقي ومقبول، ولا مشكلة عندي في هذا الرأي ووجاهته، لكني أقول ببساطة إني لا أثق في شخص أعلم أنه يقرأ رأيه من ورقة ويحفظه قبل أن يخرج على الناس ليخبرهم أنه متفاجئ مما شاهد ويتقمص دور الذي يقول ذلك لوجه الله لا ينتظر جزاء ولا شكورا. وهذا بالتالي يجعلني لا أثق في الجهة التي استخدمته ولا فيما تريد أن تسوقه على الناس.
الصحافة والصحفيون ومؤسساتهم والمسؤولون عن الإعلام عموما يتحملون جزءا مهما من أسباب هذا التهميش الذي تتعرض له الصحافة، لأن النظرة لدى المتلقي حتى قبل وسائل التواصل أن الإعلام لا يقول الحقيقة، المصداقية أمر لا يمكن أن يبنى دون وجود مساحة من الحرية تتيح للإعلامي أن يتحرك فيها، وأن تكون مساحة النقد مساوية لمساحة الإشادة والمديح، لأن المديح والإشادة بالأشخاص والجهات التي لا يمكن انتقادها يكون دائما محل شك لدى المتلقي، الذي هو الهدف النهائي لكل وسائل الإعلام القديمة والجديدة وما بينهما. تكون الإشادة بعمل ما أقوى وأكثر مصداقية حين يكون متاحا للصحفي أو الإعلامي أو الكاتب أن ينتقد ذات العمل دون تبعات. ولا أعلم كيف يمكن أن تنزعج الصحافة من مشاهير التواصل الذين لا يقولون إلا ما يطلب منهم مع أنها هي نفسها لا تفعل إلا هذا.
وعلى أي حال ..
الإعلام هو سلاح القرن الجديد الأكثر فعالية، ولا يمكن مواجهة مدفع بهراوة، ولا يمكن أن يكون الإعلام فعالا ومؤثرا وهو مكبل بالخطوط الحمراء، لا يمكن تصور فكرة أن يكون لإعلامنا تأثير خارجي ونحن لا نصدقه في الداخل، والحقيقة أننا يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ونقول الأشياء كما هي، وأن نعترف بالمشكلة ونواجهها، مع أنه لا مشكلة لدي في الخيار الآخر وهو أن نستمر في خداع أنفسنا وبأن «الأمور طيبة» وأن إعلامنا هو الأقوى والأفضل والأنجح والأنضج.
@agrni