مرزوق تنباك

أهمية المراجعات العلمية

الثلاثاء - 02 أبريل 2019

Tue - 02 Apr 2019

من التقاليد المعرفية التي ترسخ الفكر السليم والمعاني الحسنة وتزيد تجربة الباحثين الجادين في حقول المعرفة في كل التخصصات، ولا سيما العلوم النظرية التي يشتغل عليها أكثر الناس في هذا الوقت ويعتمدون فيها النقل والتسطير لما يريد الباحث عن الحقيقة معرفته والوصول إليه، ما يسمى المراجعات، وهي مفهوم علمي وفقهي عرفته الثقافات القديمة والثقافة العربية والإسلامية بوجه خاص ولا زال يعتمد عليه في كثير من الأراء والأعمال.

ويعنى بالمراجعات ما يؤلف المؤلفون من الكتب والمقالات في العلوم النظرية في غالب الأحيان، وإعادة النظر فيما يعمل العلماء من أعمال أو فيما يقولون ويعتقدون في مرحلة من حياتهم العلمية وفي أوقات سابقة ويعلنونه على الملأ ثم يبدو لهم بعد ذلك أن فيما رأوا وقالوا وما وصلوا إليه من آراء في الماضي ما يحتاج إلى مراجعة وتدقيق وتصحيح وإيضاح بعد أن تعرض القضية أو الأفكار على الأنظار وتسير في الناس ويتفحصها أهل العلم أو يعمل الزمن فيها عمله وتخضع لمتغيراته.

والمراجعات سنة حسنة وتزكية للعلم والمعرفة وبعد عن الإصرار على الخطأ إن وجد، وتقرير الصواب الذي تمحصه التجربة والخبرة ومواجهة الحقائق بأضدادها حتى يتضح ما يعتريها من ميل العالم إلى رأي دون آخر أو شطط وهوى.

وللمراجعات أهداف علمية سامية محترمة بين أهل العلم، ذلك أن أصحاب الآراء والأفكار عندما يذيعون أراءهم وأفكارهم في الناس يتلقاها الجميع بما يعهد من القبول أو الرفض والتعليق والإضافة والاختلاف، وغير ذلك مما هو معروف لأهل الاختصاص، وهنا تكون للمراجعات قيمة مهمة لصاحب الأراء، حيث تتاح له فرصة أن يعدل فيما أظهره الناس نحو آرائه من مواقف بالاتفاق معه أو الاختلاف.

وقلما يطرح العلماء رأيا لا يكون موضع مناقشة ومحاورة يتفق بعضها مع صاحب الرأي ويختلف آخرون معه، وتكون المراجعة تزكية لما قال في بعص الحالات أو توضيحا لحالات أخرى أو تصحيحا ورجوعا عما قال به من قبل، وكل ما يقوم به صاحب المراجعات العلمية هو تزكية لعلمه واستفادة مما يراه غيره، ولا ينقص من حقه ما رأوا، بل يزكو ويزيد ويستدرك ما قد فاته.

والناس في هذا الوقت أحوج ما يكونون للأخذ بالمراجعات، ليس في العلوم والتأليف فحسب، وإنما في كل الأعمال التي يقومون بها، ونحن يجب أن نتقبل مراجعة آرائنا التي كنا نؤمن بها من قبل وندافع عنها ولا نكون مصرين على نقائها وسلامتها، وقد يتبين لنا أن البدائل لها أفضل من البقاء في رحابها، ومراجعة المواقف السابقة وإعادة تمحيصها يجنباننا الأخطاء التي تحدثها المتغيرات.

التطور والتحول سنة الحياة وحسنة من حسناتها، ويجب أن نراجع مكتسباتنا في الزمن الذي يتسارع التحديث فيه بشكل يتجاوز مواكبتنا له ولما يحدث في واقعنا وفي أنفسنا من أشياء كانت إلى عهد قريب إحدى قضايا الخلاف والتحدي،

وما كنا نتصور سرعة حدوثها وسرعة تفاعلنا معها في كلا الاتجاهات.

وتسارع المتغيرات التي نقبل بعضها ونتوقف في بعضها الآخر، يحتاج أن نتعهد الأعمال والأقوال التي يسبق بها اللسان أو تخطها الأقلام في فترة ماضية وظروف مختلفة، لأن وسائل التلقي اليوم لم تعد كتابا يقرأ ولا حديثا في مجلس ولا درسا في حلقة، بل تسبح في فضاء واسع وتصحيحها يحتاج إلى إحياء منهج المراجعات. وفوق كل ذي علم عليم.

Mtenback@