عبدالله المزهر

الكتاب الأخضر المقلم بالأحمر...!

الأربعاء - 27 مارس 2019

Wed - 27 Mar 2019

يقولون إن البريطانيين نادمون على نتائج الاستفتاء بالخروج من الاتحاد الأوروبي، والندم شيء جميل لا شك لأنه مما يستدل به على الضمير الحي، ولعلهم يندمون أيضا بالمناسبة على وعد بلفور. صحيح أنه لا رابط بين الموضوعين إلا موضوع الندم، ولكن من قال أن تترابط الأشياء حتى ينتج عنها شيء مفيد.

وسبب ندم البريطانيين أنهم أوكلوا تقرير مصيرهم إلى الناس جميعا، وقد قلت في مقال سابق إن هذا من أعظم مساوئ الديموقراطية وحرية التعبير ـ أعاذنا الله وإياكم من الفتن ظاهرها وباطنها. والحقيقة أنه توجد حلول لمشاكل الديموقراطية هذه يمكن تطبيقها ليكون العالم أكثر أمنا وسلاما، كنت سأترك الحديث عنها إلى أن تصبح لدينا انتخابات تشريعية ثم أحبرها في مؤلف اسميه «الكتاب الأحمر المقلم بالأخضر»، لكن الأيام تمر ولا تلوح في الأفق أية بوادر لمثل هذا الأمر، ولذلك فإن كتم العلم من الأمور غير المستحبة.

ومثلي في هذا مثل أحدهم حين كان يصلي بزملائه في السكن طوال سنوات ولا يقرأ في الصلوات الجهرية إلا المعوذات، وفي أحد الأيام زارهم ضيوف من خارج المدينة فصلى بهم وقرأ آيات مطولة من سورة النور، وقد استغرب زملاؤه هذا الإبداع المفاجئ فقال لهم إنه يحفظ الكثير ولكنه يحتفظ به للضيوف.

وقد كنت أود أن أحتفظ بكتابي «الأحمر المقلم بالأخضر» حتى انتخاباتنا لأني أستخسر أفكاره العظيمة في الغرب وغيره من الأمم التي تمارس الانتخاب الحر ـ عافنا الله وإياكم ـ.

كنت سأقترح مثلا في أحد الفصول وجود «الرخصة الانتخابية»، وهي أمر يشبه رخصة القيادة لا يدلي الناخب بصوته في أي أمر ما لم يحصل عليها، ويكون حصوله عليها بعد اجتياز اختبارات في أساسيات السياسة والاقتصاد والاجتماع، ليكون لصوته معنى. لأن الأسلوب المتبع حاليا والذي يتيح للمخلوقات الهابة والدابة أن تنتخب وتختار وتصوت، وكان من نتائج هذه الفوضى أن أصبح ترمب رئيسا لأعظم دولة في العالم.

وقد أسر لي بعض الأصدقاء أن هذا الاقتراح ليس جديدا، وأني لم آت بما لم تأت به الأوائل ولكني لم أشأ تصديقهم، وهذه أحد طباعي الحسنة، أن لا أصدق ما لا أحب تصديقه حتى وإن كان أوضح من الشمس في سماء الظهران، وحتى وإن كانت فكرة قديمة فإنها على الأقل لم تطرح في كتاب عظيم مثل كتابي المنتظر.

وعلى أي حال..

وبعيدا عن مؤلفاتي المنتظرة، فإن أعظم ما اخترعته أوروبا هو الاتحاد الأوروبي، وكم تمنيت أن نصاب في هذه البقعة من العالم بعدوى الاتحاد، خاصة وأنه من المفترض أننا متحدون «حسب إعدادات المصنع»، ولكن هذا لم يحدث، وأظن أنه لا بد أن يأتي وإن تأخرت ولادته، إما الآن اختيارا أو غدا لأنه سيكون الخيار الوحيد المتبقي.

@agrni