طلال الحربي

الجولان عربية

الأربعاء - 27 مارس 2019

Wed - 27 Mar 2019

عام 1985 نشر عضو الكونغرس الأمريكي بول فيندلي كتاب «إنهم يجرؤون على الكلام: أشخاص ومؤسسات تتصدى للوبي الإسرائيلي»، وكان من أكثر الكتب مبيعا وأعيد طبعه ثلاث مرات.

في عرضها للكتاب، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن رسالة الكتاب «واضحة ومباشرة: النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة، بما في ذلك المعاقل الداخلية للحكومة، قوي للغاية». أما صحيفة كريستيان ساينس مونيتور فذكرت أن «فيندلي يدرس تاريخ الموقف الرسمي الأمريكي غير المتوازن تجاه الشرق الأوسط، وهو نتيجة لأكثر الأمثلة فظاعة على سلوك لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية - الآيباك - وتأثير كل ذلك على النقاش والسياسة العامة وحتى الانتخابات الرئاسية، فنادرا ما رأينا رئيسا أمريكيا أو مرشحا للرئاسة لا يعتمر القبعة اليهودية - الكيباه - ويصلي أمام المبكى اليهودي.

تذكرت هذا الكتاب بمناسبة توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هذا الأسبوع لإعلان رئاسي بضم هضبة الجولان السورية المحتلة لإسرائيل وتزامن التوقيع مع زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن للحديث أمام المؤتمر السنوي لمنظمة الآيباك.

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يحب الاستعراض، وأكثر ما يحبه عرض توقيعه بالحبر الأسود أمام الكاميرات، وقد فعل ذلك بعد التوقيع على إعلان الضم. ترمب فعل ذلك أيضا عندما وقع قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة عام 2017.

فعل ترمب ذلك ببساطة متناهية مثلما يفعل رجال الأعمال عند توقيع اتفاتقيات شراكة أو استحواذ. وإمعانا في الاستعراض قدم القلم الذي وقع به الإعلان إلى صديقه رئيس وزراء إسرائيل الذي كان يقف وراءه ويرتدي بدلة سوداء وقميصا أحمر مثله.

الرئيس ترمب شخصية غريبة وطريفة. ترمب يريد أن يدخل التاريخ كرئيس متميز عن أسلافه من الرؤساء الأمريكيين. هذه المرة أراد أن يدخل التاريخ من خلال إظهار الولاء المطلق لإسرائيل، ولكنه في حقيقة الأمر دخل من النافذة ولم يأت البيوت من أبوابها كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية.

بالنسبة إليه لا شيء يهم، فهو رئيس الولايات المتحدة على أية حال ويطمح للفوز بفترة رئاسية ثانية. ترمب محب لليهود، فابنته إيفانكا اعتنفت اليهودية وهي متزوجة من كوشنر مستشاره المقرب، وهو مستعد لفعل أي شيء لإرضائهم. وفي الحقيقة أنه لا يفعل ذلك حبا فيهم، بل خوفا منهم وطمعا في أصواتهم الانتخابية.

يمكن أن نفهم لماذا يفعل ترمب ذلك عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية الداخلية، لكننا لا يمكن أن نتفهم أو أن نقبل مواقفه تجاه قضية الصراع العربي - الإسرائيلي.

الإدارة الأمريكية حرة في دفعها مليارات الدولارات سنويا كمساعدات وهبات لإسرائيل وآلتها العسكرية، لكن لا يحق لها التصرف بالحقوق العربية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة وشرعنة آخر احتلال في القرن الـ 21 وتجاهل كل القرارات الدولية الرافضة لهذا الاحتلال.

ما فعله ترمب في التوقيع على إعلان ضم الجولان لإسرائيل هو نسخة لوعد بلفور قبل قرن بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، فكلاهما أعطيا ما لا يملكان لمن لا يستحق.

ربما لن تتوقف مفاجآت ترمب عند هذا الحد، ولن يكون من المستغرب لو أعلن ضم الضفة الغربية المحتلة للكيان الصهيوني!

مثلما رفض المجتمع الدولي قرار ترمب نقل سفارته إلى مدينة القدس المحتلة، فقد وقف هذا المجتمع موحدا أيضا هذه المرة في رفض الإعلان الأمريكي الذي لن يضفي شرعية على الاحتلال مهمل طال الزمن.

وعلى الرغم من اختلافنا مع النظام السوري، إلا أن ذلك لا يعني أننا نقبل التفريط بأي شبر من الأراضي العربية تحت أي ذرائع أو مبررات.

وقد أعربت المملكة عن رفضها التام واستنكارها للإعلان الأمريكي، وأكدت موقفها الثابت والمبدئي من هضبة الجولان والقضية الفلسطينية ومواقف المملكة منذ تأسيسها.

ولا بد هنا من الإشارة إلى موقف نظام بشار الأسد من هذا الإعلان، حيث قال «إن تحرير الجولان بجميع الوسائل المتاحة وعودته إلى الوطن حق غير قابل للتصرف».

ليس هذا مكانا للشماتة، ولكن مواقف هذا النظام المتآمر والمتواطئ هي التي أدت إلى هذا الإعلان.

@alharbit1